نؤمن فى الإسلام بأن الله سبحانه وتعالى قد رفع السيد المسيح عليه السلام إليه، وأن مَن قاموا بصلبه، لم يصلبوا شخصه، وإنما شُبِّهَ لهم فأقاموا على الصليب من ظنوا أنه السيد المسيح. بيد أن الإسلام لم ينف قط واقعة الصلب، ولم ينف قط ما صاحب النصب على الصليب من تعذيب وآلام، ولم ينف قط أن المصلوب لفظ أنفاسه الأخيرة وهو على الصليب!!
إذن، فلا خلاف على «واقعة الصلب» بما صاحبها من جلد وتعذيب ودق أطراف اليدين والقدمين بالمسامير إلى الصليب.
وقد أجمعت الأناجيل الأربعة، متى ومرقس ولوقا ويوحنا، على رواية ما لاقاه السيد المسيح عليه السلام من نكال اليهود أيام دعوته، وتربصهم به، وما ألحقوه به من تعذيب مفزع، وانتهاءً بمأساة الصلب (بغض النظر عن شخص المصلوب، هل هو ذات السيد المسيح عليه السلام، أم شُبِّه الأمر عليهم فصلبوا سواه)، وهى روايات موثقة أوحت للدكتور محمد كامل حسين بكتابة رائعته «قرية ظالمة»، وصدرت عن هذه المأساة أفلام تاريخية فى الولايات المتحدة الأمريكية، شاهدها العالم ولا يزال يشاهدها عبر شاشات التلفاز، إضافة إلى دور العرض السينمائية.
جسدت السينما الأمريكية جلد السيد المسيح عليه السلام وتعذيبه وصلبه بمعرفة اليهود، فى فيلم «آلام المسيح»، ومسماه بالإنجليزية «The passion of Christ»، وهو تجسيد اعتمد على روايات موثقة من الأناجيل المسيحية لا سبيل لأحد لإخفائها أو حجبها مهما حذفوا، فهى مطبوعة بعشرات، بل بمئات الملايين، بل بألوف الملايين وتعم المعمورة من ألفى سنة، فضلاً عما كُتب حولها من مئات الملايين من المؤلفات والروايات التاريخية.
كتاب ذبيحة الرب
تحدث القس أنسطاسى شفيق، كاهن كنيسة «مارجرجس» بالإسكندرية.. تحدث حديثاً موجعاً فى كتابه «ذبيحة الرب» عما فعله اليهود بالمصلوب من جلد وتعذيب يوم الجمعة العظيمة، وما تحدث به سفر اللاويين بالعهد القديم عن «العطايا المقدمة لله» (سفر اللاويين 1: 7، 22: 17 30)، الدموية وغير الدموية المحرقة مع الذبائح، والذبيحة مقابل الخطيَّة، وذبيحة تعويض الإثم ليعقب بأن «ذبيحة المسيح» تفوق فى الواقع كل ذبائح العهد القديم.
روى القس أنسطاسى شفيق فى كتابه، تفاصيل أحداث يوم الجمعة العظيمة التى جرى فيها اقتياد السيد المسيح عليه السلام، إلى حيث موضع الجلجثة، فدقوا المسامير فى يديه، وقام أربعة من المتوحشين المتدربين على القيام بأبشع الأعمال، وقدموا له شراباً من الخل والخمر والمر، فأبى على ظمئه أن يشربه، فبدأوا عملهم الرهيب بتمزيق ثيابه عن جسده بقسوة وعنف، وبعد تعريته من ثيابه تركوا على هامته إكليل الشوك، ومددوه على الخشبة، وأوثقوه عليها، وجاء جلادو الكتبة والكهنة بالمطرقة الثقيلة، ودقوا بها المسامير فى يديه ورجليه ليثبتوه على الصليب قبل إقامته، وما تحمَّله عليه السلام من آلام الجلد والإهانة وهو مصلوب على الصليب، حتى فاضت روحه عليه السلام وفقاً للروايات والعقيدة المسيحية، أو شبيه له وفقاً للمعتنق الإسلامى الذى ورد بالقرآن الحكيم.
كتاب «ذبيحة الرب» وثيقة إدانة لمأساة الصلب ومَن قارفوها يوم الجمعة العظيمة.
إنجيل متى
إن احتج أحد بأن هذا الكتاب كتاب بشرى، فإليه ما سجله إنجيل متى بصريح اللفظ عن يوم الجمعة العظيم، حيث جاء فى الإصحاح الثانى والعشرين من إنجيل متى، عن محاولاتهم الكيد للسيد المسيح عليه السلام.
«حينئذ ذهب الفريسيون وتشاوروا لكى يصطادوه بكلمة، فأرسلوا إليه تلاميذهم مع الهيرودسيين قائلين: يا معلم نعلم أنك صادق، وتعلم طريق الله بالحق ولا تبالى بأحد لأنك لا تنظر إلى وجوه الناس، فقل لنا ماذا تظن. أيجوز أن تُعطى جزية لقيصر أم لا، فعلم يسوع خبثهم وقال لماذا تجربوننى يا مراءون. أرونى معاملة الجزية فقدموا له ديناراً، فقال لهم لمن هذه الصورة والكتابة، قالوا له لقيصر، فقال لهم أعطوا إذن ما لقيصر لقيصر وما لله لله، فلما سمعوا تعجبوا وتركوه ومضوا « (متى 22: 15 22)
وجاء بنفس الإصحاح:
«فى ذلك اليوم جاء إليه صدوقيون الذين يقولون ليس قيامة فسألوه قائلين: يا معلم قال موسى إن مات أحد وليس له أولاد يتزوج أخوه بامرأته ويقيم نسلاً لأخيه، فكان عندنا سبعة إخوة وتزوج الأول ومات وإذْ لم يكن له نسل ترك امرأته لأخيه، وكذلك الثانى والثالث إلى السبعة. وآخر الكل ماتت المرأة أيضاً، ففى القيامة لمن من السبعة تكون زوجة، فإنها كانت للجميع. فأجاب يسوع وقال لهم تضلون إذْ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله، لأنهم فى القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله فى السماء، وأما من جهة قيامة الأموات أفما قرأتم ما قيل لكم من قبل الله القائل، أنا إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب. ليس الله إله أموات بل إله أحياء، فلما سمع الجموع بهتوا من تعليمه» (متى 22: 23 33).
وورد بالإصحاح السادس والعشرين من إنجيل متى:
«حينئذ اجتمع رؤساء الكهنة والكتبة وشيوخ الشعب إلى دار رئيس الكهنة الذى يدعى قيافا، وتشاوروا لكى يمسكوا يسوع بمكر ويقتلوه. ولكنهم قالوا: «ليس فى العيد لئلا يكون شَغْب فى الشعب» (متى 26: 3 5).
وجاء بالإصحاح الثالث والعشرين على لسان السيد المسيح عليه السلام:
«لكن ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون! لأنكم تغلقون ملكوت السماوات قدام الناس» (متى 23: 13).
«ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون! لأنكم تنقون خارج الكأس والصحفة، وهما من الداخل مملوءان اختطافاً ودعارة» (متى 23: 25).
واستمرت رواية إنجيل متى للأحداث الدامية التى تداعت إليها أيدى اليهود فى يوم الجمعة العظيمة!
«ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون! لأنكم تشبهون قبوراً مبيضة تظهر من خارج جميلة، وهى من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة. هكذا أنتم أيضاً: من خارج تَظْهرون للناس أبراراً، ولكنكم من داخل مشحونون رياءً وإثماً» (متى 23: 27 28).
«ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون! لأنكم تبنون قبور الأنبياء وتزينون مدافن الصديقين، وتقولون: لو كنا فى أيام آبائنا لما شاركناهم فى دم الأنبياء، فأنتم تشهدون على أنفسكم أنكم أبناء قتلة الأنبياء» (متى 23: 29 31).
«أيها الحيات أولاد الأفاعى! كيف تهربون من دينونة جهنم؟ لذلك ها أنا أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة، فمنهم تقتلون وتصلبون، ومنهم تجلدون فى مجامعكم، وتطردون من مدينة إلى مدينة، لكى يأتى عليكم كل دم زكى سُفك على الأرض، من دم هابيل الصديق إلى دم زكريا بن برخيا الذى قتلتموه بين الهيكل والمذبح، الحق أقول لكم: إن هذا كله يأتى على هذا الجيل! « (متى 23: 33 36).
«يا أورشليم، يا أورشليم! يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها» (متى 23: 37).