بعد أسابيع، تهل علينا الذكرى الثانية لرحيل السيد «محمد الوكيل». ولكن من هو؟ هو لمن لا يعرفه، كان أحد أهم لاعبى البلياردو الفرنسى فى مصر. كان الراحل مهندساً ناجحاً، خريج مدرسة «فكتوريا كوليدج» العريقة بالإسكندرية فى عصرها الذهبى. وهو فى الأصل من محافظة البحيرة، وابن أخ للسيدة «زينب الوكيل»، زوجة «مصطفى النحاس» باشا رئيس وزراء مصر الشهير.
لم يعرف جمهور الرياضة «محمد الوكيل»، لأنه ليس أحد نجوم كرة القدم مثلاً، وأى لعبة ليست كرة قدم، لن يكون لها حظ جماهيرى كبير فى مصر. وهذا عادى، لأن كرة القدم هى اللعبة الشعبية المصرية الأولى وبفارق ضخم عن سواها من الألعاب. والخطأ الذى يقترفه البعض، حين يشتكون من عدم الاهتمام الإعلامى ويسمون هذه الألعاب بالشهيدة، هو عدم تفهم أن تقسيم الحصص الإعلامية بين أطرف أى موضوع (سياسة أو رياضة أو غيرهما) يكون بالتكافؤ وليس بالتساوى.
المرشحون فى أية انتخابات مثلاً ليس من المفترض أن يظهروا إعلامياً بنفس المقدار (عدا فى وسائل الإعلام الخاصة، التى يمكن لمالكها أن يفعل ما يشاء، وهذا حقه، ولكن عليه أن يطبق مبدأ الإفصاح بأن يُعرف الجمهور إلى من تنحاز وسيلته الإعلامية بالتحديد). غير ذلك يكون الظهور بالتكافؤ وتبعاً لشعبية المرشح، وهو الأمر الذى يحتاج بالضرورة إلى وجود مراكز لإجراء استطلاعات الرأى، لمعرفة الحجم التقريبى لشعبية الشخصيات المختلفة ليتحدد على أساسها حجم الحصة الإعلامية التى يجب تخصيصها لهم.
فى الرياضة كذلك، الاهتمام الإعلامى لا يصح أن يتم توزيعه بالتساوى على الجميع، بل يتم الأمر بالتكافؤ، بحصص إعلامية تكافئ الوزن الجماهيرى النسبى للعبة، وهذه ليست بدعة أو أمراً غريباً بل هو المنطق الإعلامى، مع ملاحظة أن ثمة واجباً توعوياً على إعلام الدولة فى نشر ثقافة الرياضة والتعريف بالألعاب غير الشعبية. كما أن الحدود الدنيا من التغطيات الإعلامية للألعاب غير الشعبية غير موجود من الأساس (صفر) وهذا هو الخلل الحقيقى.
الألعاب التى حققت نتائج عالمية، وخُصصت لها تغطيات إعلامية كبيرة، لم تزد شعبيتها بالداخل كثيراً، لأسباب متعددة، منها صعوبة ممارستها على الطبقات العادية من المجتمع، وهم الأغلبية. مثل رياضة الأسكواش التى تحتكرها مصر عالمياً الآن. جمهور الأسكواش فى مصر هم اللاعبون أنفسهم وذووهم وأصدقاوهم وعدد محدود من المحبين. على أية حال، الرياضى الحقيقى لا يكون اهتمامه الأول بأرباحه من اللعبة، الأمر يتعلق بالتنافس وتحقيق الذات وإشباعها أكثر من العوائد المتحققة من الناحية الشعبية والمالية.
ما نحصل عليه من ميداليات أولمبية ليس نتاج تخطيط بل هو مجهود فردى خارق من لاعبين تحدوا ظروفهم. تحتاج مصر بشدة أن تهتم بعدد محدود ومحدد من الرياضات التى تشارك فى الألعاب الأولمبية، فحصول دولة ما على ميداليات أولمبية له مدلولات إيجابية كثيرة تصب فى اتجاه صورة ذهنية جيدة للدولة صاحبة هذا الإنجاز. هى ليست ألعاباً شهيدة، بل هى قوى ناعمة مصرية يجب استغلالها والاستفادة منها.