ينفى الإخوان والمتعاطفون معهم علاقة الجماعة بالعنف، ونرى أن مسألة العنف فى فكر الإخوان ليست طارئة، بل يمكن عزوها إلى حسن البنا لما ذكر أن «الحكم معدود فى كتبنا الفقهية من العقائد والأصول، لا من الفقهيات والفروع» (مجموعة الرسائل، ص 297)، فجعل مسائل الخلاف السياسى من أصول الاعتقاد، وهو قول لم يقُل به أحد قبله إلا الخوارج.
وجاء سيد قطب فأضفى بياناً أدبياً على فكرة التكفير والتجهيل، فقال فى: (معالم فى الطريق): «إن المجتمع الجاهلى هو كل مجتمع لا يخلص عبوديته لله، متمثلة هذه العبودية فى التصور الاعتقادى وفى الشعائر التعبدية وفى الشرائع القانونية، وبهذا التعريف تدخل فى إطار المجتمع الجاهلى جميع المجتمعات القائمة اليوم فى الأرض فعلاً، تدخل فيه المجتمعات الشيوعية والوثنية واليهودية والنصرانية، وأخيراً يدخل فى إطار المجتمع الجاهلى تلك المجتمعات التى تزعم لنفسها أنها مسلمة، والله يقول: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ».
استمر العنف، وجاء جيل «التنظيمات الكبرى» فى السبعينات، وجيل «الجهاد المعولم»، كالقاعدة، وجيل العنف العشوائى والمنظم والفضاء الإلكترونى»، وتوغلت القطبية فى محاضن الإخوان التربوية، وأخذ «عبدالسلام فرج» الفكرة فى كتابه «الفريضة الغائبة» فأنشأ (تنظيم الجهاد)، وأخذها «شكرى مصطفى» فأنشأ (التكفير والهجرة)، وأخذها «صالح سرية» فأنشأ (الفنية العسكرية)، ثم تولدت جماعات، مثل: «القاعدة وداعش» من نفس هذه الأفكار.
ومن الأهمية هنا الاطلاع على مذكرات «طلال الأنصارى» -وكان المتهم الثانى فى قضية الفنية العسكرية- حيث جاء فى الفصل الثانى، وعنوانه: (بيعتنا للمرشد حسن الهضيبى)، والفصل الثالث، وعنوانه: (زينب الغزالى وأول لقاء لنا مع صالح سرية)، وتناول فيهما صلة تنظيمه المسلح بتنظيم الإخوان.
لكن من الشبهات التى يثيرها البعض قولهم: هل كل من انتمى إلى الإخوان يكون إرهابياً أو متطرفاً أو محرضاً على العنف؟ كيف نصدق ذلك والواقع يشهد أن منتمين لهذا الفكر لم يمارسوا عنفاً أو إرهاباً؟!
والجواب على هذا: أنه لا يمكن تعميم التطرف والعنف على كل شخص ينتمى إلى الفكرة الإخوانية أو يؤمن بها، لكن الذى نقوله أن الشخص قد يقف عند مرحلة التطرف فقط، وقد ينتقل إلى التكفير دون حمل السلاح، وقد ينتقل إلى حمل السلاح وتأييد العنف، وقد لا يفعل كل ذلك.
لكن القدر المشترك الذى لا يخلو منه أى شخص انتمى إلى هذه الفكرة هو:
1- غلبة روح العداوة والخصومة والاحتداد عند الحديث عن الجيش والشرطة والإعلام والقضاء والأزهر والزراعة والصناعة والاقتصاد والفن والكرة... إلخ.
2- أن قياس الناس عنده يكون بالموقف السياسى، فمن خلال موقفك من جماعته ينطلق لتقييم الطائع من العاصى، والمسلم من عدو الإسلام، يعنى (تقديم الحق السياسى على الحق الشرعى)، فالعداء والولاء والبراء والتلطف والشدة والستر والفضح، يكون بحسب الموقف السياسى.
3- ويتبع النقطة الماضية تحويله ميدان الخصومة من النفس إلى الخصم السياسى، فبدلاً من أن تكون معركته مع النفس وشرورها ترى محط اهتمامه الحكومات والأنظمة.
4- التمييز بين العمل للجماعة والعمل للأمة، فخدمة الدين والأمة تكون عنده من خلال خدمة الجماعة.
والحاصل أن كل منتمٍٍ لهذه التيارات قد لا يمارس تطرفاً ولا عنفاً ولا تكفيراً، لكن القدر الذى لا يخلو منه هو النقاط الأربع الماضية، التى قد يصرح بها، وقد لا، لكنك تلحظها بسهولة.