تتحول «جروبات الماميز» فى معظم المدارس خلال شهر مارس إلى خلية نحل فى محاولة الاتفاق على هدية للمعلمات فى فصول أبنائهن، يبدو الموقف محموداً مليئاً بمشاعر المحبة والتقدير، فلا يمكن أبداً إغفال الجهد الضخم الذى يبذله المعلم فى سبيل استنارة طلابه وفتح أبواب المستقبل أمامهم بعمله وعلمه كما قال الشاعر أحمد شوقى «قُم للمعلم وفّه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا».
ولكن ما كان غير عادى هو قرار بعض «الماميز» فى بعض المدارس بأن تكون الهدية «جنيه ذهب» أو «نصف جنيه ذهب» كوسيلة للتعبير عن الامتنان للمعلمين، ليصبح السؤال هل الهدية حقاً تقدير لدور المعلم أو المعلمة؟ أم للأمر أغراض أخرى تبعد كل البعد عن الحب والتقدير وتدخل فى بند المباهاة وعدم التقدير للظروف الاقتصادية الحالية؟!
ظهر الجدل فى مناقشات بين فصيل من الأمهات بشأن نوعية الهدية المطلوبة، فالهدية واجبة، ولكن اعتبار أن بعض الأسر لديها بدل الطفل الواحد 3 وأحياناً 4 أطفال، ولديهم مطالب واحتياجات مادية لا تتوقف هو شىء أكثر وجوباً لمراعاته، خصوصاً مع وجود ظروف اقتصادية تستدعى الحكمة فى التعامل معها، ولكن تلك المناقشات حتى إن بدت منطقية إلا أن صوتها خفت تدريجياً حتى وصل إلى الصمت اضطراراً وإجباراً بسبب قيام الأمهات الأخريات صاحبات اقتراح «الجنيه الذهب» بالتلويح بسلاح «البُخل» و«المكانة الاجتماعية الضعيفة» لـ«غير الراغبين» فى الدفع وليس «غير القادرين»، وهناك اختلاف كبير بين الفئتين.
يبدو الأمر مخيفاً حقاً عند التفكير فى مدى التحول الذى تشهده بعض المدارس و«الماميز» فيها، ليس على المستوى الإدارى أو التعليمى، بل على المستوى الاجتماعى، وما تصدره من أفكار للمجتمع، ففى النهاية هى بيئة حاضنة لعقول صغيرة سوف تنطلق فى المجتمع لتسهم فى بنائه بعلمها ومجهودها، ولكنها أيضاً سيكون لديها ذلك المخزون الفكرى بشأن الرغبة فى المباهاة ونبذ المختلف عنهم وعدم تقبّله والأهم الانفصال عن المجتمع وتحدياته، من خلال عدم تقدير الظرف الاقتصادى للأشخاص من حوله، ففى النهاية هناك أزمة يمر بها العالم متمثّلة فى الحرب الروسية الأوكرانية لها تأثير اقتصادى على الجميع لا يمكن إغفاله.
الحقيقة أنه لا يوجد عيب على الإطلاق فى التفكير فى «جنيه ذهب» كهدية، فهى حرية شخصية فى النهاية إن كانت برضاء الجميع والمستوى الاقتصادى يسمح بذلك، وليس هناك إجبار ضمنى بالنبذ وعدم التقبّل، ولكن يبقى السؤال منذ متى تغير المجتمع بهذا الشكل الحاد؟ لتصبح المادة هى الوسيلة الأولى للتعبير عن الحب والتقدير، وهل عندما كنا أطفالاً صغاراً ونقدم للمعلمين فى مدارسنا هدايا رمزية، مثل ورود أو حتى هدايا للاستخدام الشخصى كنا لا نقدّرهم أو لا نحترمهم؟، الحقيقة أن الإجابة تقتضى التفكير مطولاً، فى أجيال قد يصبح الذهب بالنسبة لها هو عنوان المحبة، وقيمة المرء بما يملكه من مال وليست فى شخصه أو علمه أو فهمه لظروف مجتمعه.