«الوطن» ترصد: منتجات إسرائيلية «مُهربة من غزة» إلى شمال سيناء
على أحد الرفوف بأحد المحلات الكبيرة فى مدينة الشيخ زويد، تراصت أنواع متعددة من البن والكاكاو والشاى وغيرها من المواد الغذائية «إسرائيلية الصنع». تلك المنتجات وغيرها، تُباع علناً فى وضح النهار، وداخل المحلات، بعد أن يتم تهريبها عبر الأنفاق التى تجاوزت خطورتها نقل السلاح والإرهابيين إلى سيناء، وباتت منفذاً لتهريب البضائع إسرائيلية الصنع من غزة إلى مدن شمال سيناء.
وفى الوقت الذى تنادى فيه حركة «حماس» بتحرير الأراضى المحتلة، تخرج أنفاق «الشر» -كما يحلو لأبناء سيناء أن يسموها- بجميع أنواع المنتجات الإسرائيلية من قلب غزة التى تخضع لحكم حماس، لتنتشر كتجارة رائجة فى أسواق مدن رفح والشيخ زويد والعريش، لا سيما مع إقبال التجار والمواطنين عليها، وكانت المفارقة الدالة، هى وضع كاكاو «إسرائيلى» جنباً إلى جنب مع «بن» هنية! وهو أحد أنواع البن الفلسطينية الصنع على رف واحد.
البضائع المقبلة من القطاع تنعش أسواق رفح والعريش بسيناء ويعقد تجار مصريون صفقات بالملايين لشراء البضائع المقبلة من القطاع، وفى مقدمتها المنتجات الإسرائيلية ليس لرخص ثمنها إذا ما قورنت بالمصرية، لكن لجودتها كما يقول بعض المواطنين.
المنتجات الإسرائيلية تنوعت بين أطعمة وألبان ومعلبات وملابس رجالية ونسائية، وأحذية ومستلزمات نظافة، وأدوات منزلية وأجهزة كهربائية، وأدوات تجميل وعطور غيرها.
ويقول أحد المواطنين، الذى رفض ذكر اسمه لـ«الوطن»: «نجد فى المنتجات الإسرائيلية جودة لا تقارن بالمنتجات الفلسطينية التى تأتى لنا من غزة، أو المصرية التى تباع لدينا، وهو ما يدفعنا لشرائها، فضلاً عن توافرها بشكل كبير خاصة فى المدن الحدودية كالشيخ زويد ورفح».
ويضيف قائلاً: «المنتجات الغذائية كانت الأكثر رواجاً على مدار الثلاث سنوات الماضية وتحديداً من بعد ثورة 25 يناير، كانت الأمور ميسرة تماماً فى وصول المنتجات الإسرائيلية لنا، لدرجة أن الزبادى (الشيمنت) كان يأتى لنا فى نفس يوم إنتاجه أو اليوم التالى على أقصى تقدير، وكذلك الألبان ومنتجاتها، كما لم يقتصر نوع المنتجات الإسرائيلية التى تدخل سيناء تحت رعاية حماس على الألبان ومنتجاتها فقط، بل تعدتها إلى الشاى والبن والكاكاو والشيكولاتة والبسكويت والمقرمشات والمربى وزيت الزيتون».[FirstQuote]
ويضيف مواطن سيناوى آخر قائلاً: «لا يعنينى أن تكون نوعية المنتجات الغذائية الإسرائيلية هى المتوفرة، بقدر ما يهمنى نوع المنظفات الإسرائيلية، أشترى الصابون الإسرائيلى بكميات كبيرة للاستخدام المنزلى، لأنه النوع الوحيد الذى ثبت أنه يتفاعل مع المياه المالحة فى منازلنا أو التى نأتى بها عن طريق الخزانات، خاصة أن غالبية المياه فى المدن السيناوية غير عذبة تماماً، ولا يجدى معها الصابون المصرى أو التركى، حيث يعد صابون (هاوى) الأفضل على الرغم من ارتفاع ثمنه، كان سعر الصابونة الواحدة حوالى 8 جنيهات، ومرشحة للزيادة إلى 15 جنيهاً مع اشتداد الحملة الأمنية الكبيرة للجيش المصرى وهدم الأنفاق وإخلاء الشريط الحدودى».[SecondImage]
وتوضح طالبة جامعية من سيناء قائلة: «نعم أشترى الشامبو والبلسم الإسرائيلى، والعديد من أدوات التجميل الإسرائيلية، وملابس المنزل، خاصة الشتوية، لأنها تتمتع بجودة عالية، وفى ذات الوقت هى تباع علانية فى العديد من المحلات، فما المشكلة فى شرائها؟ نحن لا نسرقها، بل تأتى لنا عبر الأنفاق ويتم بيعها بشكل طبيعى شأنها شأن المنتجات الأخرى التى يتم تهريبها عبر الأنفاق»، وتشير إلى أن سعر عبوة الشامبو تتراوح بين 25 و30 جنيهاً، لكنها تتوقع أن تصل إلى 45 و50 جنيهاً بعد عملية هدم الأنفاق وإخلاء المنطقة الحدودية.
وعلى الرغم من علانية البيع والشراء للمنتجات الإسرائيلية، أحد التجار فى «الشيخ زويد» رفض الحديث أو تصوير المنتجات الإسرائيلية فى محله قائلاً «لا نريد مشاكل مع التموين»، وتهكم قائلاً «نعم هم يشترون المنتجات الإسرائيلية لبيوتهم، لكن إذا جاء الموضوع فى الإعلام والصحافة، فهم سيعتبرون ما يحدث جريمة»، مشيراً إلى أنه فى الماضى قبل ثورة 25 يناير كانت تأتى البضائع الإسرائيلية فى الغالب عبر «تجار الشنطة» من خلال المسافرين عبر المعبر ولم تكن الأنفاق منفذاً رئيساً لهذه التجارة، فلقد كان القطاع يهمه أن يأخذ كل ما يريده من مصر، ولا يُدخل لنا شيئاً يُذكر، لكن ما بعد ثورة 25 يناير أصبح كل شىء مباحاً، قائلاً: «إذا كانوا بيدخلوا لنا سلاح، مش هايدخلوا شاى وبن إسرائيلى وشوية صابون على شامبو على بطاطين وأحذية؟».
ورغم عدم قانونية بيع هذه المنتجات المُهربة، فإن أحد أصحاب المحلات رفض ذكر اسمه قال «قبل 25 يناير كنا نضع استيكر (صنع فى فلسطين) فوق عبارة (صنع فى إسرائيل) خوفاً من الملاحقات الأمنية، خاصة أن هذه المنتجات تحمل عبارات باللغة العبرية وليس لها أى أوراق تثبت دخولها البلاد بطريق الاستيراد عبر منافذ مشروعة، خاصة أن هناك إجراءات قانونية يتم اتخاذها حيال أى سلعة مجهولة المصدر تباع فى الأسواق، واليوم بعد مرور حوالى 4 سنوات عدنا إلى تلك الطرق مرة أخرى فى عملية التمويه، خوفاً من الملاحقات الأمنية، خاصة بعد العمليات الواسعة لهدم الأنفاق، وبالتالى أصبحت المنتجات المهربة قليلة جداً، وأعتقد أن تجارة الأنفاق فى طريقها إلى الانقراض، ومع ذلك هناك بعض التجار عقدوا صفقات كبيرة على منتجات إسرائيلية وقاموا بتخزينها على مدار العام الماضى مع بدء حملة هدم الأنفاق منذ عام تقريباً، تحسباً لإغلاق الأنفاق تماماً فيما بعد، ولكى يستطيعوا المتاجرة فى تلك السلع بالسعر الذى يحددونه، فالمنتجات الإسرائيلية أيضاً لها زبونها، وهناك محلات معروفة تماماً أنها لا تبيع إلا المنتجات الإسرائيلية، رغم التشديدات الأمنية».
ويضيف قائلاً: «هناك بضائع إسرائيلية لا يكتشف فى الغالب أنها إسرائيلية نظراً لأنه يتم عرضها تحت أسماء مجهولة، فى حين أنها إسرائيلية الصنع، وفى أحيان أخرى يجرى الكشف عن بعض السلع من خلال عبارة صغيرة جداً مكتوبة أحياناً بالعبرية وأحياناً بالإنجليزية تشير لمكان التصنيع، لكنها ليست ملحوظة للعامة، ومؤخراً جرى اكتشاف تهريب أجهزة هواتف حديثة مثل الموبايلات، إسرائيلية الصنع».[SecondQuote]
ويشير صاحب المحل إلى أن هامش الربح فى بيع المنتجات الإسرائيلية «معقول»، ويقول: «الربح ليس كبيراً نظراً لأنها تأتى مُهربة ومن يد إلى يد، وكل يد تريد أن تحصل على نسبتها من الأرباح، لكن الإقبال الكبير على الشراء من شأنه أن يعوض هذه المصروفات من خلال كثرة البيع، فهو أعلى بكثير من ربح المنتجات المصرية على أى حال»، ويضيف «ندرك أن هذه البضائع والمنتجات الإسرائيلية مهربة وممنوع دخولها وتداولها بالبلاد نهائياً، إلا أن حالة الفراغ الأمنى وما شهدته مصر من حالة عدم استقرار فى السنوات الماضية شجع المهربين والتجار على جلب هذه البضائع وبيعها فى عز النهار دون أى اعتبارات قانونية، لأن البائع يدرك أنه لا سلطة موجودة تستطيع مصادرة تلك البضائع وتحرير قضايا ومخالفات لهم». ويعترف صاحب المحل قائلاً «ندرك أنها مجازفة كبيرة، لكن ماذا نفعل؟ ألا يكفى ساعات حظر التجوال التى تقترب من 18 ساعة يومياً؟ من أين سنأكل ونُطعم أطفالنا؟ إذا كانت الدولة لم تضع يديها على ما يتم تهريبه عبر هذه الأنفاق، فلا تلُم التجار الصغار الذين يتاجرون فيما تم تهريبه، ونحن فى النهاية نتاجر فى سلع استهلاكية لها زبونها وليست قنابل أو أسلحة».
صاحب المحل لا ينكر خطورة أن يكون مصدر هذه المنتجات الإسرائيلية مجهولاً، ويقول: «هناك واقعة شهيرة حدثت فى شهر رمضان الماضى، حيث أصيبت أسرة فى مدينة العريش بالتسمم نتيجة تناول أحد المنتجات الغذائية المهربة من إسرائيل وكانت فاسدة ولم يكن أحد يعرف ذلك».
المثير فى الأمر كما يقول أحد طلبة جامعة سيناء، فلسطينى الجنسية: «لماذا يجب علينا أن نستغرب أن تقوم حماس بالمتاجرة فى البضائع الإسرائيلية عبر الأنفاق؟ رغم كل شعارات المقاومة الفارغة التى ترفعها أمام العالم كله، فحماس فى الحقيقة تتاجر علناً مع إسرائيل وتستورد منها، وبحسب آخر تقرير اقتصادى قرأته مؤخراً فإن حجم التبادل التجارى ما بين حكومة حماس وإسرائيل بلغ 381 مليون دولار هذا العام فقط 2014، ما يشير إلى أنه ما لا يقل عن نصف المنتجات الداخلة إلى القطاع تكون من إنتاج إسرائيل، خاصة أنه منذ استيلاء حماس على غزة، باتت التجارة بين القطاع وإسرائيل فى اتجاه واحد فقط، حيث يجرى استيراد البضائع الإسرائيلية إلى القطاع دون السماح ببيع أى منتجات من غزة فى إسرائيل».
ويضيف قائلاً: «حماس تاجرت فى الدم المصرى وهربت السلاح والعناصر الإرهابية إلى أرض سيناء عبر أنفاقها، فكيف نتعجب من أن تتاجر فى المنتجات الإسرائيلية؟ لقد خلقت حكومة الأنفاق على مدار السنوات الماضية إمبراطورية خاصة من مليونيرات الأنفاق من قادة حماس وأعضائها والمتعاملين معها».