رأيت المستقبل فى عينيها، مستقبلاً منهكاً أصابه من الحزن ما يفوق عمرها، وربما لا يقدر شخص بكامل حكمته على أن يواجهه. أن تتعامل كصحفى مع خبر جامد يختلف بشكل جذرى مع تعاملك فى قضية إنسانية، فالصحافة خلقت لخدمة الإنسان قبل أى شىء، بل هى الإنسان فى الأساس. وقفت قليلاً أمام عينى «رقية»، وطويلاً أمام طوق من الورود زين شعرها الحريرى، هل سيأتى يوم ولا تستطيع رفع يديها لتحريكهما؟ هل من الممكن أن يتحرك هذا المرض اللعين ببطء ليصل إلى كل أطرافها كما ينهش نصفها السفلى؟! وكما رأيت المستقبل فى عينيها رأيت الحاضر البائس فى عينى أمها وأبيها، لم يتجاوز عمرهما 25 سنة، ورأيت هماً ألقى بظلاله على شعر أبيها المخلوط بالشيب!
تواصلت معى أسرة رقية، مريضة ضمور العضلات الشوكى منذ شهر، طالبة دعم جريدة «الوطن» وتبنى قضيتها، لتصبح «رقية» نواة لحملة «الوطن» لدعم مرضى ضمور العضلات، وكأن الله أراد أن يسوقها إلينا ونكون سبباً فى سعادة أسرتها، ونواة لحملة تفتح الباب للحياة لمن يعانون هذا المرض. نشرت «الوطن» خلال شهر واحد ما يتجاوز الـ35 مادة صحفية بين الجريدة وموقعها الإلكترونى، وكذلك حركت مراسلها بالإسكندرية للتصوير مع أسرتها والدعم اللامحدود من منصاتها على مواقع التواصل.
تابعنا معاً بفرحة لا توصف كل جنيه يدخل حسابات رقية بالبنوك وكذلك التحويلات البنكية من الخارج، قلقنا معاً فى البداية وبمجرد انتشار الأمر بين الناس فرحنا ورقصنا معاً وكأن «رقية» ابنة كل منّا.
نعم كان لنا السبق، وكنا أول جريدة تنشر عن قضية «رقية»، لكن الفضل الأول يرجع لكل مواطن مصرى تبرع، ولكل مواطن كانت وما زالت «الوطن» صوته، أن تبدأ رحلة جمع 40 مليون جنيه خلال 30 يوماً كانت تحدياً لنا ولكل محب لـ«رقية» ومتأثر بها.
كان صوت «رقية» ينادى من حولها «الحقونى» أشد علينا من كل شىء، وكان هدفنا الأول فى «الوطن» أن نوصل هذا الصوت، وصوت غيرها، إلى أكبر قطاع ممكن من المواطنين والمشاهير، حتى بدأ المشاهير فى دعمها، ولبّت الفنانة القديرة وفاء عامر دعوتنا واستقبلت «رقية» فى بيتها، وخرجت عبر بث مباشر على منصات «الوطن» المختلفة، تطلب من الجميع التبرع لها لتقفز الحسابات نحو 5 ملايين جنيه بعد هذه المقابلة. لتحقق الحملة يوم 25 يونيو هدفها وتجمع «رقية» المبلغ المطلوب.
رصدنا بكاميرا «الوطن» الفرحة العارمة والدموع الصادقة المملوءة بالحب وكنا أول جريدة تصور مع أسرتها وتنقل فرحتها للعالم، وكذلك تحرك مراسلونا فى الإسكندرية إلى منزل الصغيرة لينقلوا فرحة عارمة، احتشد فيها كل سكان الحى مسلحين بالحب والامتنان لنا.
وجَّهت أسرة «رقية» الشكر لـ«الوطن» على احتضانها للمبادرة وتبنيها لها وفتح صفحاتها للطفلة الصغيرة، «بشكركم من كل قلبى على اللى عملتوه معانا وعلى تعبكم»، بكلمات صادقة عبرت «نورهان» والدة رقية عن سعادتها، ورصدت عدساتنا فرحتها.
طلبت والدتها منا الدعم فى رحلتها العلاجية المقبلة، ووعدناها بأن باب «الوطن» مفتوح أمامها وأمام كل حالة تحتاج المساعدة وفى انتظارها وقتما احتاجت.