تخطو مصر خطوات سريعة جادة على طريق الجمهورية الثانية القائمة على الندية والريادة الإقليمية والدولية، والتوظيف الأمثل لإمكانيات الدولة كافة ومواردها، لتحقيق حلم الشعب بغد أفضل وأكثر إشراقا، يزهو فيه الفرد بنفسه ووطنه ويحيا حياة كريمة.
وفي سبيل ذلك بدأت الدولة تبني مشروعات عملاقة لإنتاج الطاقة الصديقة للبيئة وعلى رأسها الهيدروجين الأخضر، بالتعاون مع كبرى الشركات العالمية المتخصصة، حيث وجّه الرئيس عبدالفتاح السيسي العام الماضي، بإعداد استراتيجية وطنية متكاملة لإنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر، وجار تحديث استراتيجية الطاقة 2035 لتشمله كمصدر جديد للطاقة، كما أعلنت الحكومة إطلاق خطة وطنية للهيدروجين بقيمة تخطت 40 مليار دولار في الأشهر القادمة، إدراكًا منها لأهمية إنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا وتخزينهما وتجارتهما، وفي خطوة جادة على طريق التنمية المستدامة ودعم الاقتصاد الأخضر، وقد وجّه السيد الرئيس بضرورة تعظيم المكونات المحلية لمنظومة إنتاج الهيدروجين الأخضر، خاصة أجهزة التحليل الكهربائي التي تعتبر عماد هذه الصناعة، ودراسة زيادة القدرات من مولدات الرياح بالاعتماد على التوربينات فائقة الإرتفاع ذات القدرات الكبيرة في التوليد.
وتخطط مصر لإنشاء مشروع ممر الطاقة الخضراء لتسهيل دمج مصادر الطاقة المتجددة في الشبكة القومية للكهرباء، وكذلك لتحويل مصر لممر لعبور الطاقة النظيفة إلى أوروبا والعالم اعتمادًا على شبكة تصدير الغاز الطبيعي، حيث تُعدّ مصر نموذجًا للدول الرائدة في توطين تكنولوجيا الطاقة المتجددة في العالم العربي، وحددت هدفًا يتمثّل في أن تصل مساهمة الطاقة المتجددة إلى 44% من مزيج الطاقة بحلول عام 2035، وهي نسبة كبيرة، حيث تسعى الدولة إلى استغلال وتوظيف الموارد والمقومات الطبيعية المتنوعة التي تتمتع بها في هذا المجال على أفضل نحو، وفقا لما يتوافر لديها موارد واستثمارات ضخمة في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، حيث يشير أطلس الرياح إلى امتلاك مصر أكبر القدرات الكهربائية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بإنتاجية تصل لنحو 90 جيجاوات من طاقتي الرياح والشمس، ما يؤهلها لأن تكون واحدة من أكبر منتجي الطاقة النظيفة بالمنطقة العربية والافريقية.
واستخدام الهيدروجين الأخضر سيغير الجغرافيا السياسية للطاقة في المنطقة، بحيث تصبح مصر مركزًا إقليميًّا للطاقة، حيث يُعد الاقتصاد الأخضر هو طوق النجاة للدول لمواجهة مخاطر تغير المناخ والتحديات البيئية المتزايدة.
ومصر أمامها فرصة غير مسبوقة لتحقيق تقدم سريع جدا في توليد كميات ضخمة من الهيدروجين الأخضر، واستخدامه محليا كبديل يعول عليه للمصادر الناضبة للطاقة، وأيضا مرشحة بقوة لتكون دولة محورية في جنوب المتوسط وشمال أفريقيا لإنتاج الهيدروجين وتصديره إلى أوروبا، صاحبة أعلى معدلات استهلاك للطاقة والمفتقدة لمصادر الطاقة النظيفة، حيث تلقّت مصر خلال الفترة الماضية عدة عروض لكبرى الشركات العالمية لتنفيذ عدة مشروعات للهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
وفي هذا الإطار، تم الشروع في تنفيذ أول مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس من خلال تحالف مصري وعالمي بالشراكة مع صندوق مصر السيادي، ويعتمد على الطاقة المتجددة التي تُنتَج من طاقة الرياح خارج نطاق المنطقة.
حيث تستهدف المنطقة مجال الاقتصاد الأخضر وتطبيقاته الصناعية المختلفة مثل صناعة الهيدروجين الأخضر، الذي يُعَد أحد أهم مصادر الطاقة النظيفة عالميًا، إتساقًا مع استراتيجيتها في إقامة مجتمعات صناعية متكاملة لرفع معدلات النمو الاقتصادي.
وإنطلاقًا من الإمكانات التي تتمتع بها المنطقة الاقتصادية، ولتعظيم الاستفادة من موقعها الجغرافي والاستراتيجي والحيوي المتميز على ضفتي المجرى الملاحي الأهم في العالم، والتي يمر بها نحو 15% من حركة الملاحة العالمية، خاصة وقد بدأت العديد من شركات النقل البحري بتشييد أساطيل للحاويات العملاقة سعة 16 ألف حاوية، تعمل بوقود السفن التقليدي والميثانول الأخضر، ضمن خطتها لتحقيق الحياد الكربوني، ما يجعل هذه السفن بحاجة للتزود بالوقود أثناء سيرها ويعظم من دور قناة السويس ويتيح فرصًا غير مسبوقة لرفع تنافسيتها سعيًا لأن تصبح مركزًا لوجستيًا واقتصاديًا عالميًا لتموين السفن بالوقود الأخضر. ويحظى الهيدروجين الأخضر باهتمام كبير عالمي بالعقد الأخير باعتباره مصدرا واعدا للطاقة بالمستقبل القريب بالمعيار البيئي.
ويتزامن هذا المشروع مع استضافة مصر قمة المناخ هذا العام، ما يُعَد فرصة جيدة للإعلان عن البداية الفعلية لمشروعات الهيدروجين الأخضر في مصر بصفة عامة، وفي المنطقة الاقتصادية بصفة خاصة. ومن المقرر توفير الهيدروجين الأخضر المنتج مادةً خامًا لإنتاج ما يصل إلى 90 ألف طن من الأمونيا الخضراء، يورّد الإنتاج للشركة المصرية للصناعات الأساسية، والتي ستتولى توظيفه.
كما تخطط مصر كذلك لإنشاء أول محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر من النفايات بشرق بورسعيد، بتكلفة تصل إلى 3 مليارات دولار، والتي تعد الأقلّ تكلفة مقارنة بإنتاجه عبر التحليل الكهربائي، أو تكلفة إنتاج نوعيه الآخرين الرمادي والأزرق.
ومن المتوقع أن تبدأ الشركة تسليم أول إنتاج من المحطة نهاية عام 2025 أو مطلع 2026، بإنتاج يُقارب 300 ألف طن سنويًا، وقدرة على المعالجة تصل إلى 4 ملايين طن نفايات سنويًا. وتوفر هذه المحطة وقودًا متوافقا مع الاشتراطات البيئية للناقلات العابرة لقناة السويس.
ويتم إنتاج الهيدروجين الأخضر عبر توظيف الطاقة المتجددة (الطاقة الناتجة من محطات الرياح والحدائق الشمسية) لفصل المياه وأنتاج الهيدروجين والأكسجين.
وعلى الجانب الآخر، فإنّ الطرق التقليدية لاستخراج الهيدروجين تتسبب في انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، الذي يساهم في تآكل طبقة الأوزون وتغير المناخ.
ومن المتوقع أن يلعب الوقود القائم على الهيدروجين الأخضر مثل الأمونيا والميثانول المتجددين، دورًا محوريًا في المدى المتوسط والطويل الأجل، حيث يفضل الهيدروجين بشكل عام على الوقود الأحفوري لاحتوائه على ما يقرب من ثلاثة أضعاف الطاقة التي يحتويها الوقود الأحفوري، ما يجعله أكثر كفاءة، وعند احتراقه في الهواء يتحد مع الأكسجين لإنتاج الماء مرةً أخرى، ما يجعله أفضل صديق للبيئة والمناخ ظهر حتى الآن، ولا يرقى للمنافسة معه في هذا الخصوص سوى محطات الطاقة النووية، وهذه المزايا الكبرى للهيدروجين تؤهله بجدارة للحلول محل الغاز الطبيعي عند نضوبه.
ومن المنتظر أن يشهد الطلب العالمي خلال المدة القصيرة المقبلة زيادة كبيرة على الوقود منخفض الكربون، في ظل المعطيات العالمية الحالية الخاصة بخفض انبعاثات الكربون، والتحول نحو الاقتصاد الأخضر. ويساهم الهيدروجين الأخضر في تقليل الاعتماد على مصادر الوقود الأحفورى نظرا لإمكانية استخدامه مباشرة كمصدر أو حامل نظيف للطاقة، أو كمادة خام للعديد من الصناعات مثل صناعة السماد والمواد الكيميائية وصناعة التكرير، كما يمكن استخدامه لتوفير الحرارة فى الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة كصناعة الصلب.
والهيدروجين كحامل للطاقة سيتربع على رأس مصادر الطاقة المتجددة، حيث يصبح الهيدروجين نفسه بمثابة الوسيلة الفاعلة لتخزين طاقتي الشمس والرياح في صورة هيدروجين يمكن استخدامه لجميع التطبيقات على المدى الطويل، وينتظر بالتالي أن يحدث الهيدروجين طفرة حقيقية في استخدام ونشر الطاقة المتجددة، كما يساهم في الوصول لمجتمع خالٍ من الكربون، ودعم الاقتصاد الأخضر والتصدي للتغيرات المناخية من خلال خفض الانبعاثات الكربونية. وقد جرى استخدام أكثر من 60% من سوق الهيدروجين العالمية البالغة 150 مليار دولار في عملية إنتاج الأمونيا، تلتها عملية تكرير النفط وإنتاج الميثانول.
واستُحدثت عدة استخدامات تجارية بالفعل للهيدروجين كمصدر للوقود، بما في ذلك في سيارات الركوب والحافلات وحتى المكوكات الفضائية. ومن المتوقع أنّه وبحلول عام 2050 ستصل قيمة تلك السوق لنحو تريليون دولار، وستستخدم بشكل رئيسي في قطاعات الطاقة والصناعة والنقل.
وحاليا يتم إنتاج أقل من 0.1% من الهيدروجين عالميا بواسطة التحليل الكهربائي للمياه، ولكن مع انخفاض تكاليف الكهرباء المتجددة، لا سيما من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ينتظر أن ترتفع هذه النسبة، خاصة وأنّ هناك اهتماما متزايدا بالهيدروجين الإلكتروليتي، حيث تمثل الكهرباء 50% من تكلفة إنتاجه، والتوسع في محطات إنتاج الهيدروجين يؤدي إلى خفض تكلفة الإنتاج. وفي حين كان إجمالي القدرة العالمية للمحللات الكهربائية أقل من 200 ميجاوات في عام 2020، وقد تضاعف هذا الرقم عام 2021، ومن المتوقع أن يتضاعف 4 أضعاف بنهاية عام 2022.
وهناك مبادرة لزيادة إنتاج الهيدروجين الأخضر بمقدار 50 ضِعفًا في السنوات الست المقبلة، لخفض تكلفة إنتاجه، حيث يتوقع أن ينخفض سعره بنسبة 85% بحلول عام 2050، وبحلول عام 2030، لن يكون من المجدي اقتصاديًا بناء مرافق لإنتاج الهيدروجين الأزرق عالميا.
وهذا الأمر ينطبق حاليا على تقنيات المحلل الكهربائي، حيث انخفضت أسعار أجهزته بنسبة 50% مقارنةً بخمس سنوات ماضية، ويرجع ذلك إلى التقدم الكبير في تكنولوجيا المحلل الكهربائي والقدرة على التصنيع.
وتعد الصين أكبر ملوث للمناخ عالميا لاعتمادها على الفحم كمصدر رئيسي للطاقة، وتنتج انبعاثات ملوثة للبيئة في حدود 45%، و28% لأمريكا، و20% للهند، في حين يبلغ إنتاج مصر وكل دول أفريقيا نحو 4%.
وقد أدى هذا التلوث لحدوث ظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع درجات الحرارة وذوبان جليد القطب الشمالي، وارتفاع حرارة ومستوى البحار والمحيطات، والأعاصير وحرائق الغابات التي شهدها العالم، وحرق الأوراق الخضراء التي تمتص أكاسيد الكربون وتخفف الاحتباس الحراري، فالغابات هي مصانع الأكسجين التي تمد العالم بالأكسجين.
ررغم توافر الهيدروجين الأخضر، فإنّ عملية فصله ونقله وتخزينه صعبة ومكلفة للغاية حاليا، كما يعد غاز الهيدروجين عنصرا شديد التقلب وقابل للاشتعال، ما يجعله وقودًا محفوفًا بالمخاطر للعمل معه ولذلك يلزم اتخاذ تدابير أمان شاملة لمنع التسرب والانفجارات.
وهو ما قد يتسبب في إبطاء معدل إنتشار هذه التقنية، ويجعلها أقل قدرة على المنافسة مع أنواع الوقود الأخرى في المرحلة الحالية لحين تجاوز تلك العقبات، وإن كان لن يمنع الاستثمارات في هذا التقنية بمعطياتها الراهنة.
ولتعظيم الاستفادة من الهيدروجين الأخضر نقترح التالي:
- فتح الباب أمام العلماء والمبتكرين لتصميم محركات الشاحنات والقطارات والسفن ومحطات توليد الطاقة الكهربائية وأفران الحديد والصلب، ومصافي تكرير البترول التي تعمل بالهيدروجين الأخضر، لخفض تكلفة الإنتاج ولتصدير التكنولوجيا عوضا عن استيرادها جاهزة.
- الاستعداد للاقتصاد الأخضر أو اقتصاد الهيدروجين، عبر إنشاء بنية تحتية للتخزين والنقل والتوزيع بما يسمح بتأسيس تجارة دولية على غرار النفط والغاز الطبيعى.
- الإسراع بإدخال التعديلات والتغييرات المطلوبة على الأطر التشريعية والتنظيمية ووضع السياسات وإعداد مقترحات القواعد والإجراءات التنظيمية التي تضبط وتشجع على استخدام الهيدروجين في التطبيقات المختلفة.
- توطين تكنولوجيا تصنيع المستلزمات والمعدات التي تستخدم في توليد الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر في مصر، مثل تصنيع الألواح الشمسية أو توربينات وريش طاقة الرياح أو غيرها من أدوات الطاقة المتجددة وكذلك صناعة المحللات الكهربائية ورفع كفاءتها وخفض تكلفة تصنيعها وتشغيلها.
- إعداد الكوادر القادرة على إستيعاب هذه التكنولوجيا لتشغيل وإدارة هذه المنظومة.
- التوسع في جذب واستقطاب الاستثمارات وتحفيز مزيد من التوسع في مجال الطاقة المتجددة.