ظلت أمريكا أكثر من عشرين عاماً تطارد أيمن الظواهرى، زعيم تنظيم القاعدة، حتى تمكنت من قتله بغارة نفذتها طائرة بدون طيار فى «كابول»، بعد أن توقع بعض الباحثين أن قضية الإرهاب لم تعد تحظى بأهمية كبرى لأمريكا بعد انسحابها من أفغانستان، ثم الحرب الروسية - الأوكرانية، وجاءت العملية فى توقيت ذى مغزى، قبل احتفال «طالبان» بمرور سنة على الحكم، بما يعنى أن انسحابها من أفغانستان لا يعنى تخليها عن مواجهة الإرهاب المعولم.
«الظواهرى» هو صاحب الدور التاريخى فى بلورة تنظيم القاعدة، وعلى يديه وقعت العمليات الإرهابية الكبرى، ومقتله تترتب عليه آثار محتملة منها:
1- تآكل طبقة المنظرين والشخصيات الملهمة فى وجدان الشباب الجهادى، ولم يبق إلا القليل، وهذا لا يعنى التضخيم من غياب «الظواهرى»، لأنه ما كان له فى السنوات الأخيرة إلا الرمزية، فلم يعالج انشقاقات التنظيم، وفشل فى صراعه مع «داعش»، وانشقاق فرعى سوريا والعراق، وتصاعد خلافات التنظيم فى اليمن، وانشغاله أخيراً بمسائل فرعية مثل الفتاة التى تعرضت لخلع حجابها.
2- أتصور أن يلجأ التنظيم إلى الإرهاب المستقل، أو الانفرادى، أو الإرهاب دون قيادة، أو الذئاب المنفردة؛ رداً على مقتله، على أن البعض يخلطون بين الذئاب المنفردة والإرهاب الفردى، مع أن الأول يقوم به فرد أو مجموعة دون ارتباط بتنظيم، والثانى يكون مرتبطاً بتنظيم.
وفكرة «جهاد الإرهاب الفردى» أسس لها تنظيم القاعدة من خلال كتاب (دعوة المقاومة الإسلامية العالمية)، وهو كتاب يمثل مرجعية لـ«القاعدة»، ومؤلفه أبومصعب السورى، ويعزز من هذا الاحتمال: نجاح «القاعدة» فى تنفيذ مثل هذه العمليات، وافتقار الهياكل الأمنية الأمريكية (وغير الأمريكية) فى مواجهة هذا النوع من العمليات الإرهابية التى يتميز بها «القاعدة»، حيث لا يوجد حتى الآن -وفق بعض الدراسات- وكالة رئيسية متخصصة فى أمريكا منوط بها مجابهة هذا النوع من الإرهاب المستقل، فضلاً عن وجود قيود قانونية كبيرة بحجة عدم الحد من حرية الأفراد.
3- وجود «الظواهرى» فى «كابول» تحت حماية «شبكة حقانى»، وهى شبكة حليفة لـ«طالبان»، يؤكد أن «طالبان» ما زالت تتقاطع من التنظيمات الإرهابية، مما يترتب عليه -مع عوامل أخرى- تأخر الاعتراف الدولى بها، خاصة أن أمريكا اتهمت «طالبان» بخرق اتفاق الدوحة وإيواء الإرهابيين، وتفسيرنا لاحتمالية هذا التقارب بين «طالبان» و«القاعدة» راجع لمحاولة «طالبان» توظيف «القاعدة» ضد تنظيم داعش، المتمثل فى (ولاية خراسان فى أفغانستان)، الذى يمثل أكبر تهديد لـ«طالبان»، وتنظر «القاعدة» إلى «داعش خراسان» على أنه عدو.
4- احتمال ضلوع «طالبان» فى الاغتيال -حال ثبوته- سيلقى بظلاله على العلاقة بين «القاعدة» و«طالبان»، فقد تنتهزها «طالبان» فرصة للتخلص من «القاعدة»؛ سعياً منها للحصول على الاعتراف الدولى، وإلغاء تجميد الأموال الأفغانية، وهنا تدخل العلاقة بين الطرفين فى مسار صدامى عنيف بعد 30 سنة من التوافق والتقاطع.
5- أبرز محطات التحول بعد اغتيال «الظواهرى» ستتحدد وفق طبيعة القائد الذى سيخلف «الظواهرى»، ومن خلاله تتحدد طبيعة النشاط المسلح للتنظيم وخريطة الانتشار، فالتوقعات تشير إلى وجود خمس قيادات مرشحة، كل قيادة يُقرأ من خلالها مستقبل «القاعدة» بشكل مختلف، على رأسهم «سيف العدل»، الذى أنشأ أفرع التنظيم فى أفريقيا، ويحظى بدعم إيران، وفى حالة توليه سيكون السؤال المهم متعلقاً بمدى إسهامات إيران فى توجيه بوصلة التنظيم فى المستقبل؟