أظنك انفعلت عندما رأيت أحدهم ينشر أموراً مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، وأعلم أن الانفعال وصل بك إلى مداه عندما قامت صحف أوروبية بنشر رسوم هزلية سخرت فيها من الرسول صلى الله عليه وسلم، وفى كل يوم نقف بكل قوة وحزم عند أقل إشارة تدل على الحط من قدر المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهكذا فإن مشاعرنا مع تقديس كل الأنبياء وبخاصة سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، ولمَ لا؟ أليس هو سيد الخلق أجمعين، ألم يرسله الله ليكون رحمة للعالمين، ألم يقل عنه رب العزة: «وإنك لعلى خلق عظيم» ألم يكن حليماً حيياً خفيض الصوت، ألم يتعرض للإيذاء حياً من المشركين، ألم يتعامل معه بعض صحابته ببداوة فيها غلظة فقال الله جل فى علاه: «إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ» بل إن رب العزة قال مخاطباً كبار الصحابة: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ» وعندما كان بعض كبار الصحابة يقتحمون على النبى صلى الله عليه وسلم بيته دون استئذان فيؤذيه هذا، أنزل الله قرآناً قال فيه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ» وعندما ادعى البعض أنهم قد أسلموا وأخفوا كفرهم نفاقاً خاطب الله الرسول صلى الله عليه وسلم قائلاً: «ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم» أى أن هناك من بين صحابتك من هم أكثر الناس نفاقاً، ولكنهم تمرنوا على هذا النفاق وتفوقوا فيه لدرجة أنك أيها النبى لا تعلم من هم، ولكن الله يعلمهم، ولعلها من الأمور شديدة الوطأة على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعرف أن هناك من ادعى القرب منه، يجلس بين يديه، ويبكى فى مواضع الخشوع والتقوى وهو فى الحقيقة من الكفار! وفى ذات الوقت لا يعلم الرسول خبر هؤلاء لأن الرسول بشر لا يعلم ما فى القلوب، فقط هو الله سبحانه الذى «يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ» أما الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يعلم إلا ما يخبره به الله العليم.
لا أظن أن أحداً من المسلمين يختلف مع مقالتى هذه، ولكن هل فعلا هناك من يستطيع الإساءة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؟ أنا أقول كلا وألف كلا، إذ ليس فى مقدور أحد مهما كان قدره أن يسىء إلى الله أو إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أو إلى القرآن، فليس فى إمكان الأدنى أن يطول الأعلى، والقدرة كما يقول المناطقة لا تتعلق بالمستحيل، وإنما من أساء فإنما أساء لنفسه ومن أحسن فلنفسه، ألم يقل الله «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا» الذى أساء إنما كتب الإساءة فى صحيفته، ألم يشتم أحدهم أحد الصالحين فرد عليه قائلاً: «هذه صحيفتك فاملأها بما شئت».
ليس الله هو إله الإغريق الذى يجلس على جبال الأولمب تنافسه بعض الآلهة فتحاول التخلص منه فيحشد جيشاً من عبيده لمحاربة الآلهة الأخرى، ولكن التفاسير الغريبة دخلت على القرآن ففهم البعض أن آية «إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ» إنما تعنى أن نحارب الكفار والمشركين وأصحاب الأديان الأخرى حتى تعلو راية لا إله إلا الله! هكذا فهمها سيد قطب وغيره، الله يا أهل الدنيا ليس محاصراً من الأعداء، وليس ضعيفاً فيستنجد بكم! ولكنه يطلب منكم أن تنصروا الله فى أنفسكم، أى تنصروا دينه ومنهجه على همزات الشياطين، ألم يقل لنا «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا» فإذا انتصرت للتقوى التى فى نفسك على الفجور الذى فيها ستكون قد انتصرت لله، وحينها سييسر الله لك سبل الطاعة والتقوى.
الخلاصة أن أحداً مهما كان، لا يملك أن يسىء للرسول، وإن أساء فيكون قد أساء لنفسه، وتبقى مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم فى قلوبنا تحفها القداسة، ومع ذلك فإننا فى لحظات الضعف الذى أصاب الأمة والانحطاط الحضارى الذى وصلنا إليه، أصبحنا كالخُشُب المسندة نظن كل صيحة علينا، أو كما قال الله تعالى «يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ» لا نملك الثقة فى أنفسنا، أو فى عقيدتنا، وقد ترتب على هذا بعض المظاهر، فعندما يدخل الإسلام أحدهم ترتفع صيحات التكبير وتعترينا فرحة عارمة وكأنما بدخول هذا الشخص للإسلام نكون قد أثبتنا صحة الدين! وعندما يخرج من الإسلام أحدهم نرفع راية المؤامرة على الإسلام والحرب التى يتعرض لها، ويبدو الأمر وكأننا دخلنا فى ماراثون بين الأديان أيهما ينال الأكثرية فى العالم فيحصل على الميدالية الذهبية! والحقيقة أنه يجب أن نضع هذه الأمور فى نصابها الصحيح، فليسلم من شاء، فهذا شأنه هو مع رب العالمين، وليخرج من الإسلام من يشاء، فهذا هو شأنه مع رب العالمين، ولن يصبح دين ما صحيحاً بكثرة أتباعه، ولن يفقد دينٌ صحته بقلة أتباعه، وأنت حين تتعبد لله بدين فإنما يجب أن يكون الأمر إيماناً لا اتباعاً، وخيرٌ لأى دين أن يخرج منه من لا يؤمن به.
كل هذا جميل، ولكن مع عثرتنا الحضارية أصبحنا ندمن القراءات الخاطئة، وينتابنا الشك والتأويل الخاطئ، ومن القراءات الخاطئة ما حدث مع جريدة «فيتو» الأسبوعية ورئيس تحريرها الأستاذ عصام كامل، ففى العدد الأخير نشر «عصام» تحقيقاً عن صورة متداولة بين الشيعة يدَّعون أنها للرسول صلى الله عليه وسلم، وأن أحد الفنانين الشيعة قام برسمها منذ زمن طويل من وحى ما قرأه فى كتب السيرة عن وصف الرسول صلى الله عليه وسلم، واستطاع «عصام» تصوير هذه الصورة عندما زار إيران مؤخراً، حيث وجدها معلقة فى بيت «الخمينى»، ثم أخذ يبحث عن أصل هذه الصورة إلى أن وصل إلى أنها صورة مزيفة يعود أصلها لصورة فوتوغرافية كان قد صورها أحد المصورين الألمان لشاب تونسى اسمه «أحمد» منذ تسعين عاماً، وأن أحد الفنانين قام برسم هذه الصورة فيما بعد نقلاً من الصورة الفوتوغرافية ثم روجها فى إيران زعماً أنها للرسول! ولتأكيد ما وصل إليه كتب عصام كامل أن الصورة الفوتوغرافية المزعومة تباع فى مكتبة ما بشارع شريف بمنطقة وسط البلد، وبذلك أبطل مزاعم الشيعة الكاذبة وفضح إساءتهم للرسول ودعا إلى مواجهة مخرج إيرانى يقوم بتصوير فيلم عن الرسول صلى الله عليه وسلم يستعين فيه بممثل يشخِّص الرسول، وأنه يقوم عن طريق فنون المكياج بتقريب وجه الممثل لوجه تلك الصورة المزيفة.
هذا هو الموضوع، ولكن كيف قرأه البعض؟ هاجت الدنيا وماجت وقامت ولم تقعد، وأظن أن هناك من قدم بلاغات ودبج الشكاوى لأنه قرأ الموضوع بصورة مختلفة! قرأه على أن عصام كامل تجرأ ونشر صورة زعم أنها للرسول! كان «عصام» يواجه الزيف فإذا به يصبح متهماً بالزيف، كان يواجه ويرفض تشخيص الرسول صلى الله عليه وسلم فى صورة، فإذا به يُتهم بأنه شخَّص الرسول فى صورة، كان يدق جرس الإنذار وينبه الجميع إلى أن النار مشتعلة فى العالم الإسلامى ومن شأن الفيلم الذى تنتجه إيران عن حياة الرسول أن يؤجج الفتنة بيننا، فإذا به يُتهم بتأجيج الفتنة بيننا، وبغض النظر عن تداعيات ما سيواجهه عصام كامل فى الأيام المقبلة، إلا أنه كان يمارس قناعاته الصحفية والفكرية، وهذا النمط من الناس لا يهتم كثيراً بما يصيبه عندما يفعل ما يقتنع به، ولكن موضوع عصام كامل فتح عندى الرغبة فى الحديث عن أولئك الذين أساءوا للإسلام حقاً، عن جمهرة من المتسلفين الذين شخصوا الله رب العزة! ووصفوه فى الأحاديث وصفاً بشرياً! أريد أن أتحدث عن أولئك المتسلفة الذين زعموا فى الأحاديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم راود امرأة عن نفسها! أريد أن أتحدث عن المتسلفين والمتأخونين الذين زعموا فى الأحاديث أن الرسول كان يخبر الصحابة بالأيام والساعات التى يجامع فيها زوجاته! وكذا عن أولئك الذين زعموا فى الأحاديث أن الله أرسل الرسول ليكون قاطع طريق! وأن وأن وأن، بما يكفى لوضع مجلدات، وسأكتب وسأكتب لأفضح ضعفاء العقول سود القلوب الذين غيروا الدين وأساءوا إليه، فانتظرونى فى الأيام المقبلة.