ويتواصل الحديث عن خالد محيى الدين، عضو مجلس قيادة ثورة يوليو، ونائب رئيس مجلس السلام العالمى، ومؤسس حزب التجمع، وغيرها من المواقع التى تولاها، وكان القاسم المشترك من سيرته فيها هو تمسكه بالديمقراطية كمبدأ سياسى مهم.. وأخلاقى أيضاً، ولأنها -الديمقراطية- كانت قناعته الرئيسية، فقد ضحى فى سبيلها بالكثير من المناصب، والمكاسب المادية والمعنوية، وبحريته أحياناً، واستحق عن جدارة لقب «فارس الديمقراطية».
فى مارس عام 1954 كلف مجلس قيادة الثورة خالد محيى الدين بتشكيل الوزارة.. وقبل بشرط عودة الحياة النيابية والديمقراطية.. وبدأ الخلاف بين الرفقاء، واستقال خالد محيى الدين.. وغادر البلاد إلى سويسرا منفياً، وحينها رفض جمال عبدالناصر اختيار «خالد» لفرنسا كمنفى، لوجود نشاط يسارى ملحوظ فيها، وقال «ناصر» مقولته الشهيرة لـ«خالد»: «لأنك حلو فالذباب هناك سيحوم حولك»، وبعد التفاهم بينهما تم الاستقرار على سويسرا كبلد هادئ سياسياً، ودفع خالد محيى الدين ثمن تمسكه بالديمقراطية سنتين من شبابه فى المنفى، ورفاقه فى مصر على رأس السلطة فى مصر.
وتمتد مسيرة خالد محيى الدين حتى تأسيس حزب التجمع عام 1976، ويتولى قيادته لسنوات، إلى أن جاءت اللحظة التى قرر فيها التخلى طواعية عن رئاسة الحزب، وقرر الدعوة لمؤتمر طارئ لتعديل اللائحة، وكانت المادة (8) التى تنص على عدم تولى الموقع القيادى لمدة دورتين متتاليتين، ورفض غالبية أعضاء الحزب تطبيقها على خالد محيى الدين، لكنه تمسك بموقفه وقال: «أود أن تثقوا تمام الثقة أننى سوف أظل أعمل معكم فى صفوف حزبنا، وما كان لتغيير فى موقعى الحزبى أن يحرمنى من شرف الاستمرار معكم، من أجل تحقيق آمال هذا الحزب، وآمال الجماهير فيه».
بموقفه غير المسبوق فى الحياة السياسية المصرية، أكد خالد محيى الدين أن الديمقراطية عنده ليست مجرد شعار يرفعه، لكنها ممارسة ولو اقتضى الأمر التضحية برئاسة الحزب الذى أسسه، ولأنه شخصية استثنائية.. استمر فى ممارسة نشاطه الحزبى كعضو عادى، يشارك فى الاجتماعات تحت قيادة الرئيس الجديد -ومقامه محفوظ بطبيعة الحال- إلى أن أقعده المرض عن الحضور بشخصه، لكنه ظل حاضراً بنصائحه وخبراته حتى وفاته.
من أهم تعاليم خالد محيى الدين التى كان يلقنها لشباب حزب التجمع من وقت لآخر، أن معارضة النظام لا تعنى السعى لتدمير الوطن، ومع بدايات الألفية الثالثة، تصاعدت حدة التدخلات الأجنبية فى دعم نشاط بعض القوى السياسية للمطالبة بالديمقراطية، وفى كلمته الأخيرة كرئيس للحزب فى المؤتمر العام الخامس -ديسمبر 2003- قال خالد محيى الدين: «نود أن نعلن على الملأ أن قضية توسيع الإطار الديمقراطى بالنسبة لنا هى قضية مصرية مصرية، وقد نتفق أو نختلف حول مداها، لكننا نتفق ونختلف كمصريين، دون أن نسمح بأى تدخل أجنبى فى هذا الشأن».
وبعد أن وضع المبدأ العام برفض التدخل الأجنبى فى الشأن المصرى.. استمر فى كلمته بصورة واضحة ومباشرة، وقال: «ونحن نُعلن وبأعلى صوتنا أننا لن نسمح للأمريكيين بأن يتدخلوا فى شأننا بحجة الدفاع عن الديمقراطية فى وطننا، مدركين أنهم آخر من يمتلك الحق فى ذلك، خاصةً بعد ما شهدنا ممارستهم المعادية لحقوق الإنسان سواء فى العراق أو فلسطين.. فالذين يساندون الجرائم الصهيونية ضد الشعب العربى الفلسطينى، والذين يستخدمون الفيتو لحماية هذه الجرائم تأكيداً لاستمرارية العدوان الصهيونى، والذين قاموا بغزو همجى للعراق حيث يمارسون الآن القتل للمواطنين الأبرياء، ويمارسون اغتيال ثروات ومقدرات وسيادة وطن بأكمله، والذين يدمرون مصداقية الأمم المتحدة، ويفرضون بسطوة القوة العسكرية والاقتصادية إرادة آمرة على المنظمة الدولية.. هؤلاء هم آخر من يملك الحق فى الحديث عن الديمقراطية».
سيرة ومسيرة خالد محيى الدين ما زال بها الكثير يستحق أن نرويه لأبنائنا حباً فى هذا الوطن.. فإلى لقاء آخر.