وجَّه الرئيس العراقى برهم صالح، فى كلمته إلى الشعب العراقى، عتاباً للأغلبية الصامتة التى تشكل أكثر من نصف مَن لهم حق التصويت على عدم المشاركة فى الإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات ومقاطعتها، جاءت هذه الكلمة فى أعقاب الأحداث الدامية التى شهدها العراق فى الأيام الماضية، وقتل على أثرها أكثر من ثلاثين قتيلاً وأصيب أكثر من سبعمائة عراقى.
تلك الأغلبية الصامتة فى العراق هى نفسها الأغلبية الصامتة فى معظم الدول العربية، وهى نفسها التى أدت لتردى الأوضاع فى كثير من الدول العربية، فحق التصويت ليس مجرد ورقة أو بطاقة لكنه مستقبل الأوطان، وقد تنازلت الكثير من الشعوب فى وطننا العربى عن هذا الحق، لمصلحة قوى لا تعبِّر عنها!
لكن الأمر المدهش أنه حين تستأثر تلك القوى بالحكم وتوجيه الأحداث السياسية حسب أغراضها يضيق الناس الذين هم قد تنازلوا عن حقهم منذ البداية وتسببوا فى اعتلاء المفرضين الحكم، ولعلنا فى مصر قد مررنا بتلك التجربة مع الحزب الوطنى ثم مع جماعة الإخوان التى كانت تجيد تنظيم صفوفها وتحريك المظاهرات وترتيب الصفقات جيداً، ولم يفق الشعب المصرى إلا وهم على قمة السلطة، عند ذلك الحين فقط أدركنا قيمة الصوت الانتخابى!
المهم أن العراق فى أزمة حقيقية بدايتها لم تكن الآن، لكنها منذ الغزو العراقى للكويت فى أغسطس من عام ١٩٩٠، وما تلاه من غزو الولايات المتحدة للعراق عام ٢٠٠٣، والانهيار الكبير الذى شهده العراق منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، ليتحول العراق بعد أن كان واحداً من أقوى البلدان العربية إلى هذا المشهد البائس الذى لا يريد أن ينتهى والمستمر لأكثر من ثلاثين عاماً.
لم تكن الولايات المتحدة هى الجانى الوحيد فى تلك الجريمة، على الرغم من كونها الفاعل الأصيل، لكن أطرافاً كثراً قد تعاونوا على أن يظل العراق على حاله، خاصة بعد حالة الضعف التى أصابت الوطن العربى بعد ما ابتلى بما أطلق عليه ثورات الربيع العربى، وما تلاها من انكباب كل دولة على حالها، وتفرق القوى السياسية وتزايد الصراعات بينها، والسعى لإفشال أى محاولة لاستقراره، فكانت تلك الصورة الحزينة لتلك الدولة العربية الشقيقة التى كانت فى يوم ما دولة قوية يحسب لها ألف حساب.
كل تيار فى العراق يسعى لفرض سيطرته حتى وإن كان على حساب المصلحة العليا للبلاد، ويبقى المواطن العراقى هو الضحية الأبرز فى كل هذه الأحداث، وعلى الرغم من كونه هو الطرف الأضعف، لكنه يملك صوته الذى يأبى أن يستخدمه لفرض إرادته، وبالتالى فإن تلك الأصوات السلبية الصامتة ترتكب فى حق بلدها خطأً كبيراً، يبشر باستمرار عدم الاستقرار وتلك الفوضى والمستقبل المجهول، بل إن هذه الأغلبية الصامتة ترتكب جريمة فى حق بلدها وفى حق مستقبل الأجيال التى من حقها أن تنشأ فى بلد مستقر.
صحيح أننا فى بلادنا العربية لم نتعلم الديمقراطية ولم نتربَّ عليها، لكن الديمقراطية لا تأتى بالتمنى بل بالوعى وممارسة الحقوق، وحق الانتخاب والتصويت هو الأصل فى كل الحقوق الديمقراطية.