منذ أسابيع قام أحد مصورى الفوتوغرافيا العالميين باستخدام الذكاء الاصطناعى للوصول إلى تصور عن الشكل المقترح لعدد من المشاهير الذين غادروا عالمنا منذ سنوات. محاولة كمبيوترية لاستشراف ملامح وجوه من غابوا عنا. رأينا صوراً متخيلة للأميرة «ديانا» و«مايكل جاكسون» فى ستينيات العُمر.
مع حلول الذكرى السبعين لميلاد «جلال عامر»، تساءلت عن ملامح وتجاعيد وخطوط وجه أبى فى هذه السن.
خرج «جلال» إلى المعاش من الحياة، تماماً فى سن الستين، وتحول شكل وجهه فى اللحظة الأخيرة، بكل تفاصيله وثناياه، إلى جزء من وجدانى، حفظته عن ظهر قلب، وسأبحث عنه فى يوم ما بين جموع الناس، حين نلتقى جميعاً فى دار الحق.
يقولون إن مشاق الحياة لو ظهرت فى تجاعيد وجهك فسيظهر نعيمها فى وميض عينيك، وكان جلال ممن أنعم الله عليهم بالكثير من الحكمة، التى كانت تملأ أنوار عينيه.
ملامح الوجه ليست أمراً مهماً، لكن ملامح الشخصية هى الأهم. ولو كان الرجل بيننا اليوم لكنت قد عايشت الشخصية نفسها والطباع ذاتها.
كان جلال متسقاً مع نفسه دون حيود، ثابتاً على مبدئه دون جمود، فالمبدأ هو الغاية التى يجب أن تكون والقانون الذى يُستحسن اتباعه، وهو نقطة انطلاق التفكير الإنسانى لوضع إطار حاكم للصواب والخطأ.. ويخلط الكثيرون بشدة بين الموقف والمبدأ. فالأول هو مجرد رد فعل ونتيجة، صريحة أو ضمنية، تنشأ عن مقدمات معلوماتية.
تتغير المواقف بشكل عام كاستجابة لعملية تواصل، تنشأ عنها معلومات جديدة يترتب عليها إعادة التقييم (تأييد شخص ما أو رفض منتج معين هى مواقف وليست مبادئ). ومن لا يعيد تقييم مواقفه كل فترة، بناءً على معلومات ووقائع، مع الاحتفاظ بمبادئه، هو كائن جامد غير حى لا أمل فى تطوّره (الأمر يشبه إعجابنا ببعض الروايات حين نكون صغاراً، ثم نكتشف أنها ركيكة للغاية حين نكبر وتزيد معارفنا).
تعلمنا من جلال أن المعارضة ليست مهنة بدوام كامل، لكنها موقف ورد فعل نابع عن أحداث ومتفاعل معها دون انفصال فى أبراج عاجية ونخبوية ممجوجة. عرفنا كذلك أن الموضوعية الوطنية هى الفريضة الغائبة والبوصلة التى تهدينا وقت التيه.
حين كان «توماس أديسون الابن» يخوض أحد الانتخابات المحلية فى الولايات المتحدة الأمريكية، كان يقدم نفسه للناس على أنه «أعظم اختراعات والده»، وهذا حقيقى، فالولد سر أبيه. ويمكننى بسهولة رؤية جلال عامر وملامحه فى وجه أخى راجى، وفى مواقفنا وتصرفاتنا، التى أخذت «إكسير جلال» وأضافت عليه تفاصيل زماننا وتجاربنا.
إن كنا الملامح الباقية لجلال على الأرض، فالهدف الأسمى من الوجود والاستمرار هو إكمال مسيرة عنوانها هو «الاحترام» و«التقدير»، احترام الذات التى ينتج عنه تقدير الآخرين، وظنى أننا نجحنا جداً فى ذلك، حتى الآن على الأقل.