يبقى الحنين إلى الدراما وتأثيرها كأحد الطقوس الاجتماعية المحببة التى طالما التفت الأسرة حولها يومياً. حتى إنها أصبحت ضمن التقاليد الرمضانية المحببة. حين تسللت مشاهد السوقية والعنف والألفاظ المبتذلة بعضها نقلاً عن أعمال أجنبية دون المستوى. إقصاء هذه «العملة الرديئة» استدعى وجود «العملة الجيدة» التى بادرت شركة المتحدة للخدمات الإعلامية وميديا هب وPOD إلى إطلاقها الأعوام الماضية، وأعادت بما حققته من ردود فعل تأكيد مكانة الدراما المصرية.
كما نجحت فى الحد من تفشى العملة الرديئة لتدحض ذرائع تبرير وجودها تحت عنوان الشعبية التى يحظى بها فنانو هذه الأعمال. الحق أن الجماهيرية الحقيقية تحققت فى ردود الفعل على دراما مثل ثلاثية «الاختيار»، «هجمة مرتدة»، «العائدون»، «القاهرة كابول»، بالإضافة إلى جدارة استحقاق الأعمال التى حصدت جوائز المهرجان.. دراما واجهت زيف أكاذيب الجماعات الإرهابية بالحقائق الموثقة بالصوت والصورة.
اكتمال منظومة النجاح المتوالى على مدى الأعوام الماضية جاء مع إطلاق «مهرجان القاهرة للدراما» كبادرة لتأكيد الدور الذى طالما لعبته الدراما المصرية فى تشكيل وعى المشاهد. دعم «المتحدة للخدمات الإعلامية» صناعة الدراما كان حاضراً فى مؤتمر إطلاق المهرجان الذى اتسمت فقراته بالرقى والإبداع.. وفى توفير كل سبل النجاح لظهور هذا التجمع الإبداعى على الصورة التى تليق بمكانة الدراما المصرية.
عنصر المنافسة سيخدم تصاعد الخط البيانى للدراما، «المتحدة للخدمات الإعلامية» لم تكتف بالحالة الإبداعية التى خاطبت بصدق الوعى الوطنى، لكنها ذهبت إلى تطوير العديد من الثوابت التى كانت تقيد المسلسل فى ثلاثين حلقة رغم عدم استدعاء الصياغة الدرامية لبعض الأعمال هذا العدد.. أصبح الموضوع هو العامل المتحكم فى عدد الحلقات بعد أن كان العرف السابق يضع بعض الأعمال فى دائرة المط والتطويل.
مستوى المنافسة ودقة تقييم الأعمال ضمنها إشراف قيمة كبيرة مثل الفنان يحيى الفخرانى، لجنة تحكيم تترأسها المخرجة إنعام محمد على بكل تاريخ إبداعها فى الدراما، بالإضافة إلى نخبة من النقاد والمبدعين المتخصصين فى كافة المجالات المرتبطة بصناعة الدراما. عوامل ستحفز عنصر المنافسة فى الأعمال المقدمة للمشاهد وتلقى الضوء على قيمة العمل الفنية بعيداً عن التركيز على العناصر الشكلية على حساب الشق الإبداعى والمضمون.
كل هذه المقومات ستعطى دفعة أقوى للدور الكبير الذى بذلته «المتحدة للخدمات الإعلامية» فى إثراء الدراما لتحظى بمكانة الوعى والتنوير فى مختلف القضايا الوطنية، وشكلت حافزاً لباقى شركات الإنتاج على عرض ملفات اجتماعية مهمة فى أعمالها، مثل التعليم فى مسلسل «دايماً عامر» وقضايا تطرح حقوق المرأة فى مسلسل «فاتن أمل حربى». أمام كل هذه المبادرات وردود فعلها الإيجابية.. لا تنتهى الأمانى والأحلام. أن تكون هذه الخطوة بداية لعودة عيد الفن وتكريم رموزه ومبدعيه والاحتفاء بأجياله الشابة التى برز أداؤها فى أعمال درامية تناولت قضايا تمس الأسرة المصرية والعربية.. هدف لا يغيب عن طموحات نقيب المهن التمثيلية أشرف زكى. أن تشمل الدورات القادمة للمهرجان مشاركة الأعمال العربية بالإضافة إلى المنصات المختلفة وعدم اقتصارها على المسلسلات الرمضانية واختيار أكثر الدول العربية تميزاً فى الإنتاج الدرامى كضيف شرف فى المهرجان كما أكد الفنان يحيى الفخرانى فى كلمته.
كل مقومات بداية مهرجان القاهرة للدراما تبشر أنه سيصبح المنصة الشرعية لتقييم الدراما وزيادة جرعة المنافسة الفنية فى الأعمال المقدمة للجمهور، ما يصب فى النهاية لصالح الجمهور وتحفيز الصناع على الاجتهاد والاختيار كون المهرجان تحت راية نقابة المهن التمثيلية، ما يكفل عاملاً ضامناً على وجود تقييم مهنى حقيقى، بالإضافة إلى أنه يعتبر أصددق مؤشر فى تقييم تطور الدراما المصرية، سواء على صعيد الأداء، الإخراج، النص، كما سينهى فراغاً أحدثه انقطاع استمرارية بعض المهرجانات بعد عدة دورات بكل ما شابها من انعدام شفافية ومجاملات.. بالتالى عجزت عن إلقاء الضوء على القيمة الفنية بعيداً عن وضع التركيز على العناصر الشكلية على حساب الشق الإبداعى للعمل الفنى على اختلاف أنواعه.