تتعرض دار الإفتاء لحملة تشويه مستمرة من السلفيين والإخوان وغلاة العلمانيين، والشعبويين المتأثرين بأفكارهم، وكل هذا لم يمنع القول بأنها لقيت إشادات لا حصر لها في مصر والعالم لم تحظ بها مؤسسة مماثلة.
توجهت سيدة بسؤال: مات زوجي أثناء العلاقة الجنسية فهل هذا من سوء الخاتمة؟، فأجاب الدكتور أحمد ممدوح أمين الفتوى: "لا يمكن الحكم على شخص بسوء الخاتمة، فالله هو المختص بذلك، والموت أثناء العلاقة من حسن خاتمة، لأنه كان في طاعة، بدليل الحديث الشريف: "وفي بضع أحدكم صدقة، فقال الصحابة: أنثاب على علاقاتنا الزوجية؟ فقال لهم النبي: أرأيتم لو وضعتوه في حرام أكنت تأثم؟، فقالوا: نعم، فقال لهم النبي: فكذا يثاب لو وضعها في حلال".
المواقع وجدتها فرصة للبحث عن الترند، وهنا نسجل نقاطا لعلها تعيد التفكير بعيدا عن السطحية:
1- أمام الشيخ ثلاثة احتمالات: أن يقول للسيدة: هذا من سوء الخاتمة! أن يمتنع عن الإجابة ويعطيها درسا في الأخلاق وفي نوعية الأسئلة المطلوبة، ويرشدها لأن تسأله عن موقف الإسلام من الانبعاث الحراري، وكيفية تخريج العلوم على أصول النموذج المعرفي الإسلامي! أن يُجيب بما اتفق عليه الفقهاء إجابة منطقية عقلا، وصحيحة فقهًا، وإنسانية خلقًا، وفيها مراعاة لنفسية السيدة، وهذا ما فعله.
2- وجوب التفرقة بين موضوع تطرحه الدار، وهي هنا ملزمة بطرح ما يمس قضايا المجتمع وهمومه، وبين أن يأتي إليها سؤال هي هنا ملزمة بإجابته، مهما كانت غرابته، لأن عدم الجواب خيانة للأمانة وهروب من المسؤولية.
3- ليس أدل على ذلك من أن الدكتور أحمد ممدوح حينما طُلب منه اختيار سؤال وإجابته، اختار: (ما التعددية الدينية؟ وكيف نفهمها ونمارسها)؟ وإجابته كتبها في بحث طويل ماتع يحترم عقل الشباب وجرأتهم، عنوانه: (التعددية الدينية .. قراءة نقدية من خلال التعريف الإجرائي)، صادر عن مؤسسة طابة، والدكتور مجدي عاشور في برنامج (دقيقة فقهية) مع الدكتور حسن سليمان اختار فتاوى معينة تخدم الوطن والدين، وترك الشاذ النادر، لكن هو نفسه حينما يتلقى الأسئلة في الدار يجيب عنها جميعا، دون أن يملك رفاهية الاختيار.
4- برنامج (بريد الإسلام) للأستاذ محمد عويضة والدكتور أحمد القاضي، لأنهما يملكان اختيار سؤالين فقط من بين عشرات الأسئلة التي ترد إليهما، صارا يملكان اختيار المهم، وترك غير المهم.
5- فضيلة المفتي نفسه يُجيب عن الأسئلة الغريبة والنادرة، لكن مقالاته ومحاضراته ومؤلفات الدار تختار الموضوعات المهمة مثل: (الجهاد ضوابطه وأحكامه)، (الفهم المنهجي لإدارة الخلاف الفقهي)، (العلاقة بين المسلمين والمسيحيين)، (دليل المسلمين الى تفنيد أفكار المتطرفين)، (فقه الصيام والسفر)، بل لا أعلم من تناول القضايا الفكرية العصرية اليوم بمثل ما تناولتها الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء برئاسة فضيلة المفتي وأمانة الدكتور إبراهيم نجم.
6- عتاب السيدة على سؤالها تدخل منبوذ في شؤونها، فقد يكون السؤال غريبا عندي، وضروريا عندها، وقد امتلأت كتب الفقه بإجابات عن تفاصيل في العلاقات الجنسية، لولا أن ذكر أمثلتها لا يناسب بعض الفئات لذكرتها.
7- لابد أن يكون الشيخ مُلما بعلم النفس وما شابه، وعندما تأتي سيدة ملكومة سيطر عليها الشؤم لندرة طريقة وفاة زوجها، فهنا تظهر فِطنة المفتي؛ فيراعي الجانب النفسي، بألا يجيب جوابا جافا حادا، وهو ما فعله الشيخ حينما قال: "هذا من حسن الخاتمة"، فكان موفقًا.
8- يُحسب للدار أنها تجيب عن كل سؤال غير ملتفتة إلى السخرية والتشويه، وفي المقابل فإن من ينتقد الدار نقدا وجيهًا يكون أسدى إليها جميلا.