الإفقار الأخضر: الآثار المترتبة على التمويل المناخى غير العادل: ما هو التمويل المناخى (تمويل أنشطة مكافحة تغير المناخ) التمويل المناخى هو المصطلح المستخدم فى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) للإشارة إلى رأس المال المخصص لدعم جهود التكيُّف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره (UNFCCC، n.d) يمكن أن يتراوح ذلك من الحد من الانبعاثات من مصادر الغازات الدفيئة وتعزيزها، إلى التصدى للآثار الحالية لتغير المناخ (Cato، 2022، p. 40) بشكل أكثر تحديداً، فإن التمويل المناخى هو الدعم المالى الذى يتدفق من البلدان المتقدمة إلى البلدان النامية بما يتوافق مع مفهوم أن البلدان لديها مسئوليات مشتركة، لكن متباينة (CBDR) تجاه تغير المناخ.يتسم هيكل أدوات وآليات التمويل بالتعقيد، ويمتد عبر خطوط متنوعة ومتداخلة، سواء خاصة (مثل الجهات الفاعلة من الشركات ومطورى المشروعات والمؤسسات المالية التجارية والأسرة) أو عامة (مثل الميزانيات الحكومية ومؤسسات تمويل التنمية) أو ثنائية (مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والوكالة الألمانية للتعاون الدولى) أو متعددة الأطراف (مثل البنك الأوروبى للإنشاء والتعمير [EBRD] والبنك الدولى) (Lüdemann& Ruppel، 2013; Nakhooda et al.، 2016) تختلف أيضاً أنواع التمويل المحددة المقدمة من خلال هذه القنوات، ويمكن أن تأخذ شكل منح أو قروض بشروط ميسرة أو ضمانات أو أسهم خاصة (Nakhooda et al.، 2016) وترِد مناقشة أكثر تفصيلاً لهذه المسألة لاحقاً فى هذا الموجز، ثمة معايير متعددة لما يمكن اعتباره تمويلاً مناخياً، هذه المعايير مجزأة عبر عددٍ من الاتفاقات البيئية الدولية (كاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ أو بروتوكول كيوتو) أو وثائق أخرى مثل مقررات مؤتمر الأطراففى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، حدثت نقطة تحول فى التمويل المناخى العالمى فى عام 2010 مع إنشاء صندوق المناخ الأخضر (GCF) فى إطار الآلية المالية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والتعهد اللاحق من البلدان المتقدمة فى مؤتمر الأمم المتحدة السادس عشر بشأن تغير المناخ بتمويل قدره 100 مليار دولار أمريكى، صندوق المناخ الأخضر هو الكيان المنفذ للآلية المالية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، حيث يتلقى رأس المال عبر قنوات متعددة بما فى ذلك المصادر العامة والخاصة والثنائية ومتعددة الأطراف (& Lüdemann Ruppel، 2013) وهو يقدم الدعم المالى بأشكال متعددة، ومنها المنح والقروض، يشير التعهد 3 إلى التزامٍ تعهدت به البلدان المتقدمة بجمع المبلغ بشكل مشترك سنوياً بحلول عام 2020 لتلبية احتياجات البلدان النامية (Lüdemann& Ruppel، 2013) كان المفهوم فى المؤتمر أن هذا التمويل، نظراً لحجمه، قد يستمد من مصادر متعددة، من ضمنها المصادر العامة والخاصة، ومتعددة الأطراف والثنائية، وكذلك المصادر البديلة (Lüdemann& Ruppel، 2013) وقد انضمت مصر منذ إعلانها كدولة مضيفة لمؤتمر الأمم المتحدة السابع والعشرين بشأن تغير المناخ فى عام 2021 إلى العديد من البلدان التى تعمل على تسريع جهودها ومبادراتها للتكيف مع التغير المناخى والتخفيف من آثاره، وتمضى التطورات ذات الصلة بالتمويل المناخى على وجه التحديد بوتيرةٍ أسرع من أى وقت مضى، خلال الشهرين الماضيين فقط نظمت مصر عدداً من اجتماعات المائدة المستديرة الإقليمية بهدف مطابقة مشاريع خفض الكربون والتكيف مع الممولين (Enterprise، 2022a) وقد بدأت مجموعة من الخبراء رفيعى المستوى مخصصة من أجل توسيع نطاق الاستثمار والتمويل، عملياتها هذا الصيف.
ومع اقتراب مؤتمر الأمم المتحدة السابع والعشرين بشأن تغير المناخ، يقدم هذا الموجز قراءة للتطورات فى التمويل المناخى من منظور العدالة الاجتماعية، وبقيامه بذلك، فهو يسلط الضوء على مجالات التركيز الرئيسية لتحقيق أهداف وممارسات التمويل المناخى بطريقة عادلة ومنصفة، ويقترح ثلاثة توصيات سياسية مع وضع هذا التركيز فى الاعتبار.
سياق السياسات: التمويل المناخى كمسألة متعلقة بالعدالة المناخية: تتسم مسألة التمويل المناخى (والافتقار إليه) بالتداخل الشديد مع مسألة العدالة المناخية، فى حين أنها قد تبدو جانباً تقنياً أو لوجيستياً للعمل المتعلق بتغير المناخ، تهتم حركة أو نهج العدالة المناخية، الذى تمتد جذوره إلى حركة العدالة البيئية فى الولايات المتحدة فى الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين، وحركة العدالة العالمية، وجماعات المجتمع المدنى الراديكالية المشاركة فى محادثات الأمم المتحدة بشأن المناخ (Mueller & Bullard، 2011) بالحاجة الملحة إلى العمل المناخى، مع الأخذ فى الاعتبار حالات الظلم وعدم المساواة القائمة داخل المجتمعات وعبرها، يترجم هذا إلى فهم أن تغير المناخ يؤثر فى البلدان، وفى شعوبها، بشكل متفاوت حسب نقاط الضعف الجغرافية النسبية وغيرها.
وفى هذا الشأن، يلعب التمويل المناخى دوراً إجبارياً: لضمان التعبئة الكافية للموارد اللازمة لمنع تأثير تغير المناخ أو تقليله، يمتد هذا الدور إلى الحركة الانتقالية العادلة، وهو مفهوم يرتبط بشكل وثيق بالعدالة المناخية ويستلزم تعظيم الفرص الاجتماعية والاقتصادية للعمل المناخى، مع تقليل أى تحديات وإدارتها بعناية (International Labor Organization، n.d) فى التحول نحو الوصول بانبعاثات الغازات الدفيئة إلى مستوى الصفر، بعبارة أخرى، فالتمويل المناخى هو وسيلة أساسية لتحقيق العدالة المناخية.يعنى مبدأ CBDR (الذى تمت مناقشته بإيجاز أعلاه) الذى ينبثق منه التمويل المناخى، أن الأخير متداخل بطبيعته مع قضايا العدالة المناخية الرئيسية، فى الواقع، يدعو الإطار الدولى الحالى للعمل المناخى إلى المساعدة المالية من الأطراف التى لديها موارد مالية أكبر لمن هم أقل موارد، لكنها أكثر عرضة لآثار تغير المناخ (Chowdhury & Jomo، 2022) وبذلك فإن التمويل المناخى، يتضمن بالضرورة قضايا العدالة والإنصاف، حيث تتحمل الدول الأغنى مسئولية مساعدة جهود الدول الأفقر لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة، والتكيف مع الآثار الضارة لتغير المناخ (Chowdhury & Jomo، 2022) ويستكشف القسم التالى بشكل أوسع الطرق التى تتقاطع فيها العدالة المناخية مع مسألة التمويل.توجيه التمويل نحو التكيف أم نحو التخفيف: دراسة حالة حول عدم المساواة الوطنية والعالمية وفقاً لتقرير (Climate Finance Shadow 2020) الصادر عن مؤسسة أوكسفام، فقد ذهب 25٪ فقط من التمويل العام للأنشطة المتعلقة بالمناخ نحو التكيف، بينما تلقى التخفيف ما يقدر بـ66٪ من التمويل، ترسم الأرقام هنا صورة قاتمة بشكل خاص لبلدان الجنوب العالمى، التى تواجه آثاراً فورية أكثر لتغير المناخ بسبب مجموعة من العوامل (مثل انخفاض القدرة على مجابهة هذه الآثار، وزيادة المخاطر الجغرافية) تشمل بعض الأمثلة على هذه الآثار الجفاف وموجات الحرارة والفيضانات، ولهذه الظواهر تأثير خاص وغير متناسب على الفئات الضعيفة من السكان فى هذه البلدان (UNFCCC، 2018) ويتجلى أحد جوانب ذلك فى أرجحية عيش السكان الأفقر بالقرب من التلوث، وبالتالى يكونون أكثر عرضة لتغير المناخ، ففى الولايات المتحدة على سبيل المثال، كثيراً ما ترتبط درجة الضعف هذه بالفئات العرقية، على الأرجح تعيش مجتمعات السود والسمر والسكان الأصليين ذوى الدخل المنخفض بالقرب من الصناعات الملوِّثة، مثل: مصافى تكرير النفط والبنية التحتية لخطوط الأنابيب، أكثر من المجتمعات الأكثر ثراء وبياضاً، ما يؤدى إلى زيادة التعرض للتلوث الناشئ من حرق الوقود الأحفورى والمواد الكيماوية المتسربة إلى النطاق المائى (Climate Reality Project، 2021) وفى باكستان، حيث تسببت الفيضانات المدمرة فى نزوح عشرات الآلاف هذا العام، يرتبط الاعتماد على الزراعة والوصول إلى مياه الرى ارتباطاً وثيقاً بقرار العديد من الأشخاص الاستمرار فى العيش فى السهول الفيضية، ما يعرضهم للأذى (Kelman، 2022) شهدت مصر فى مطلع هذا العام ارتفاعاً قياسياً فى أسعار الخضراوات مثل الطماطم، نتيجة لأنماط الطقس البارد بشكل غير اعتيادى، ما أدى إلى تدمير غلات محاصيل المزارعين (Arafat، 2022) وتدرك جيداً السلطات المعنية هذا الضرر على أنه قضية أمن غذائى ناجمة عن آثار تغير المناخ، وليست حادثةً عشوائية، يهدد انعدام الأمن الغذائى الناجم عن المناخ بتفاقم تهديد سوء التغذية والجوع القائم بالفعل ويؤثِّر بشكلٍ غير متناسب على 23٪ من الأسر فى البلاد (Mazloum et al.، 2021) يمكن أن تظهر هذه التفاوتات أيضاً على مستوى أصغر، كما يتضح من القدرة على تحمل تكاليف بعض تدابير التكيف، وإمكانية الوصول غير المتساوية إليها، مثل استخدام مكيف الهواء فى المنازل، ولهذه الأسباب تم وضع التكيف تاريخياً فى مقدمة جدول أعمال المناخ فى الجنوب العالمى، رغم هذه الأولوية، فلا يزال التخفيف هو المستفيد الرئيسى من جهود التمويل العالمى للأنشطة المتعلقة بالمناخ، فى مصر، على سبيل المثال، تركز أغلبية المشروعات الممولة من قبل صندوق المناخ الأخضر، ومرفق البيئة العالمية، والبنك الأوروبى للإنشاء والتعمير، والبنك الدولى، وكذلك من خلال القنوات الثنائية (المنح الفردية) فى التخفيف: تقدر وزارة التعاون الدولى المصرية (2018) أن هناك 28 مشروعاً للتكيف بقيمة 2.85 مليار دولار أمريكى فى أنظمة إدارة مياه الصرف والزراعة، مقارنة بمبلغ 7.83 مليار دولار أمريكى يسهم فى 46 مشروعاً للتخفيف.يعد هذا اتجاهاً عالمياً يقع فى قلب الظلم المناخى، الذى يمكن تفسيره، لكن لا يمكن تبريره من خلال عدة عوامل مترابطة، أولاً، هناك مسألة توليد الأرباح، لا تولد تدابير التكيف بطبيعتها نفس العائد المرتفع على الاستثمار الذى تولده مشاريع التخفيف واسعة النطاق، مثل مزارع الطاقة الشمسية (Timperley، 2021).
من ناحية أخرى، توجد احتمالية أقل للحصول على براءة اختراع لابتكارات التكيف، لأن مثل هذه التكنولوجيات غالباً ما تكون خاصة بالبلد المبتكر، ما يجعلها أقل قابلية للتطبيق خارج هذا البلد (Adams & McNamara، 2018) ليس هذا هو الحال مع مشاريع التخفيف، مثل المركبات الكهربائية أو (الخضراء) التى يمكن تكرارها نوعاً ما عبر البلدان والمناطق المختلفة.
مصائد الديون والتهرب من المسئولية: فى عام 2021 اتخذ ما يقدر بنحو 20٪ فقط من التمويل العام المذكور للأنشطة المتعلقة بالمناخ شكل منح، مقابل 80٪ فى شكل قروض وأدوات أخرى غير المنح، وهذه نقطة خلاف ملحوظة بالنسبة إلى الجهات الفاعلة الأفريقية وغيرها فى الجنوب العالمى، التى لاحظت، بشكل صحيح، أن التمويل المناخى المتركز فى أدوات الدَّين سيؤدى إلى تفاقم مديونية البلدان النامية، وهى ظاهرة وصفتها مؤسسة أوكسفام بأنها (فضيحة تم تجاهلها) Cato، (2022، p. 56)التكيف، والتخفيف، والافتقار إلى الاستقلالية فى التمويل: تعتبر ملكية الدولة للأموال أو التمويل المخصص للتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معها أمراً أساسياً للتمويل العادل، ويرجع ذلك إلى أنه حتى عندما تتلقى البلدان بنجاح أموالاً أو تمويلاً مخصصاً للعمل المناخى، فإنها غالباً ما تمارس تحكماً قليلاً فى تخصيص هذه الأدوات، على سبيل المثال، بينما لا تعانى مصر بشكل خاص من نقص الاستثمارات المتعلقة بالمناخ، لا سيما عند مقارنتها بنظيراتها الإقليمية (& Watson Schalatek، 2021) فإن مدى تحكمها فى التخصيص الدقيق لتدفقات الاستثمار هذه (فى صناعات، ومجالات، وقطاعات معينة، وما إلى ذلك) أمر مشكوك فيه.
أظهر تقرير صدر مؤخراً عن المعهد الوطنى (Transnational Institute) هذه المعضلة، ما يدعو إلى التشكيك فى فاعلية التكلفة أو كفاءة الطاقة لمشاريع الهيدروجين الأخضر الناشئة فى مصر.
يلقى التقرير الضوء على حرص مصر على الهيدروجين الأخضر باعتباره مسار التنمية الاقتصادية الأساسى، ونطاقاً كبيراً للدعم المالى للمشاريع ذات الصلة، بالإضافة إلى الدور المهم الذى يلعبه البنك الأوروبى للإنشاء والتعمير والشركات الأوروبية فى الدعوة إلى طاقة الهيدروجين.
يشير تقييم التقرير إلى أنه قد يكون من الأفضل أن يركز البنك الأوروبى للإنشاء والتعمير، فى مساعدة البلدان فى التخلى عن استخدام البنية التحتية الصناعية القديمة، وتطوير عمليات صناعية تعمل بالكهرباء، بدلاً من التشجيع على استخدام الهيدروجين كمصدر للطاقة، كما أنه يقترح أيضاً أن بناء قدرة متجددة كافية لتحل محل توليد الكهرباء من النفط والغاز يبدو استخداماً أفضل للموارد من الحد بشكل كبير من طاقة وقيمة الكهرباء المتجددة المتولدة عن طريق تحويلها إلى هيدروجين وأنواع وقود أخرى للتصدير، يختتم قسم التقرير الخاص بمصر بالتوصية بأنه إذا كان بنك التنمية الأوروبى مهتماً بمساعدة شمال أفريقيا، فيجب عليه تركيز جهوده بعيداً عن توجيه هذه البلدان نحو تصدير الهيدروجين باهظ التكلفة وغير المختبر الذى يحتمل أن يكون غير مجدٍ اقتصادياً (Barnard، 2022).
التوصية: بالإضافة إلى التدابير المذكورة أعلاه، يجب على الكيانات أو البلدان الممولة الامتناع عن ربط قيود ومطالب (باستثماراتها)، ومن جانبها، يجب على البلدان النامية المتلقية للتمويل ضمان توافق الأموال بشكل مناسب مع الاحتياجات المحلية، وإعطاء الأولوية للسكان المحليين والمناخ، ومن الأمثلة على ذلك إعادة النظر فى قرار تصدير الطاقة الخضراء للبلدان الأكثر ثراء، قبل تلبية احتياجات الدولة الناتجة.