يمكن أن يقودنا الإيمان لصنع المعجزات، لكنه أيضا، قد يدفعنا دفعا لارتكاب الحماقات، دون أن يخالجها شعور بالتردد أو الندم.
وكلمة «الإيمان» في اللغة، تعني ببساطة «التصديق»، إلا أنها في العديد من المجتمعات، خاصة مجتمعاتنا الشرقية، أخذت صبغة مقدسة، لأنها ارتبطت بالدين ارتباطا وثيقا.
في العموم، فأن الإيمان ظاهرة إنسانية، وجزء أساسي من تكويننا النفسي.. إنه شعور يجعلنا نصدق ونطمأن لفكرة، أو شيء، أو شخص ما.. إلخ.
على سبيل المثال: قد يؤمن الإنسان بموهبته، أو بفكرة مشروعه، أو بمادة لعلاجه، أو بتأثير قوة من قوى ما وراء الطبيعة على البشر.
الإيمان في كثير من الأحيان يعد محفزا قويا للسير بخطوات ثابتة، نحو أهداف محددة، مهما واجهتنا عقبات وصعاب. ويحدث هذا لأن العقل يكون مقتنعا، والقلب مطمأن ومصدق.
مثلا إذا آمنت بموهبتك، قد تتحمل عناء السفر كل يوم، وتبذل الوقت، والجهد، وما تمتلك من المال، لثقل موهبتك وإبرازها، مثلما فعل محمد صلاح الذي أصبح نجما عالميا لكرة القدم.
أو ربما تؤمن بفكرة مشروعك، فتترك وظيفة ذات دخل مرتفع، في إحدى المؤسسات المالية الأمريكية، وتخاطر بمستقبلك المهني، ومدخراتك، لتبدأ في بيع الكتب المستعملة عبر الإنترنت، مثلما فعل جيف بيزوس، مؤسس "أمازون"، فتكون أحد أغنى أغنياء العالم.
في الأمور الدنيوية، كالمثالين السابقين، يمكن لنا أن نستكشف مدى صحة تصوراتنا مبكرا، عبر اختبارها عقليا ومعياريا.
أما إذا طغى إيمان الإنسان على عقله، ورفض استخدام المعايير المعمول بها، فأن حسابات المكسب والخسارة سوف تقنعه بأنه إيمانه قد أضله، أو تجبره ظروفه عاجلا أو آجلا على التوقف. في النهاية يتحمل النتيجة وحده، أو مع عدد محدود من شركائه.
الإشكالية الحقيقية تظهر حين يكون الإيمان مسيطرا على جماعة من البشر، لأن الجماعة قادرة على التحكم في الفرد بسهولة، إضافة إلى أن أفراد تلك الجماعة سوف يعملون على قمع من يخالف إيمانهم
هل يمكن أن يجمع عدد كبير من البشر على ضلالة؟ نعم، بل أكثر من ذلك، يمكن للبشر جميعا أن يجمعوا على ضلالة ويتشبثون بها.
ظلت البشرية لآلاف السنين، مقتنعة تماما بأن الأرض هي مركز الكون، وأن الشمس تدور حولها.
ولأن فهم رجال الدين للنصوص الدينية، كان متطابقا مع هذا التصور، تم قمع علماء الفلك الذين استخدموا العقل، وامتلكوا معايير محايدة لقياس مدى صحة هذا التصور.
ظلت البشرية متمسكة بهذا التصور المضل، فتأخرت لآلاف السنين عن فهم الحقيقة.
الإيمان الشديد بأن الأرض هي مركز الكون، لم يغير الحقيقة.. القتل والقمع، لم يجعل الخطأ صوابا، لكنه منح هذا التصور الخاطئ قرونا إضافية من الطغيان على عقل البشر.
لذا فأن الإيمان لا يعني الهدى دائما، ولكنه قد يكون هو الضلال بذاته في بعض الأحيان.