ابنة «ماما عبلة»: علمتنا دعم المرضى وتخفيف معاناتهم.. وأوصتنا بالمحتاجين
الدكتورة مروة ياسين
«والكلمات التى لم تُقرأ عنى ستبلغ شغاف القلوب التى أحبتنى فى سلام» كانت تلك هى آخر كلمات الدكتورة والداعية الإسلامية عبلة الكحلاوى أو «ماما عبلة»، كما كانت تحب أن يلقبها الجميع، رغم درجاتها العلمية ومكانتها كداعية دينية تميزت بالفكر الوسطى وتدين الروح والقلب.. هذا ما ترويه لنا الدكتورة مروة ياسين، ابنة العالمة الجليلة، فى حوارها لـ«الوطن»، مضيفة أن محبى والدتها كانوا يعتبرونها خيراً يمشى على الأرض، وكانت من العالمات العاملات كما نعتها دار الإفتاء المصرية، حيث جمعت بين علوم الشريعة علماً وتعليماً وبين العمل الخيرى، وأسست واحدة من أكبر الجمعيات الخيرية فى مصر، وإلى نص الحوار:
مروة ياسين: فقهت بصدق الآية الكريمة «الباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً»
ماذا تذكرين عن بدايات مشروع مؤسسة «الباقيات الصالحات» الذى أطلقته الوالدة الراحلة؟
- هذا الصرح تأسس على يد الأم الغالية الراحلة التى فقهت يقيناً وصدقاً وتبصراً الآية الكريمة «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلًا»، كانت تتأمل هذه الآية القرآنية طيلة الوقت وتتفقه بها فقهاً حقيقياً، وكانت منشغلة برسائلها، وكان هذا التبصر سبباً فى هذا العمل الخيرى وضفيرة نورانية امتدت لتصل الأرض بالسماء، ومن ثم العمل الممتد حتى قيام الساعة، بينما كانت النية الصادقة لتأسيس هذا الصرح صادقة وتسبق العمل عليه ليكون بهذا الشكل.
وفرت مكاناً آمناً لعلاج مرضى السرطان وتأهيلهم نفسياً.. والبداية بـ40 مريضاً واليوم أصبحوا بالآلاف
ما العقبات التى واجهتها فى البداية؟
- كانت العقبة الأولى والتحدى الأكبر استهداف علاج مرضى السرطان، فاتخذت خطوات متعددة لتحافظ عليهم ووفرت لهم المكان المناسب والمستقر والآمن لهم نفسياً وروحياً وإنسانياً وترفيهياً، وبدأنا باستقبال 40 مريضاً وختمنا بنحو نصف مليون مريض تعاملنا معهم فى «دار ضنايا» التابع لصرح الباقيات الصالحات منذ التأسيس فى 2004، أما العقبة الثانية فتمثلت فى معاناة مرضى ألزهايمر، الذى يمر على الإنسان بعملية تدريجية من التغيير، فهو تدهور تدريجى للإنسان سلوكياً ومعرفياً ونفسياً يطلق عليه الموت مرتين، وهذه الشريحة تحتاج إلى الدعم بأشكاله المختلفة، فافتتحنا «دار أمى وأبى» لرعايتهم وقدمنا خدمة مهمة جداً فى هذا المجال على جميع المستويات فى ظل مواجهة الكثير من التحديات.
شطّبنا المرحلة الأولى من المستشفى المخصص لتشخيص وعلاج المرضى كبار السن بنسبة 100%
كانت الدكتورة عبلة الكحلاوى ذات مكانة دينية وفكر وسطى كيف ربطت بينه وبين عملها الخيرى؟
- من خلال الرؤية المقدمة والاستراتيجية المقدمة فى صرح الباقيات الصالحات نعمل على تقديمها بمفهوم الرؤية الممتدة طويلة الأمد والشاملة وفكر مختلف، ليس فقط على المستوى الطبى ولكن تمتد إلى الرعاية النفسية والبيئية والإعلامية، من خلال فريق متكامل من أطباء ومديرين وتمريض وأطباء لرعاية المسنين وأطباء للطوارئ وأخصائيين نفسيين واجتماعيين وبرامج لصحة المسنين، سواء لمرضى العيون أو الصدر وغيرهم، وكل هؤلاء يتم إعدادهم إعداداً دقيقاً لتقديم الخدمة على أعلى مستوى والبيئة الترفيهية المتمثلة فى أكثر من أسلوب، من ضمنها «الساوند سيستم» الذى يبث الذكر والتسابيح والأغانى القديمة، وهو أسلوب تعلمناه من الدكتورة عبلة الكحلاوى لدعم المريض الذى يفقد برمجته وإدراكه والسيطرة على حياته، ولدينا «دار أمى وأبى» التى تشهد تطورات لخدمة قطاعات واسعة بجانب اللجان الإغاثية والنهارية لخدمة المرضى فى منازلهم، وهناك أيضاً عيادات الكشف المبكر لمرضى ألزهايمر، والتى تعمل بنظام الفكر الاستشارى، وعيادات تعمل بفكر تخصصى وتكاملى ومتفرد، ولدينا مستشفى الباقيات الصالحات الذى انتهينا من مراحله الأولى وتم تشطيبه بنسبة 100%، ويتبقى التجهيز ويختص المستشفى بتشخيص وعلاج المرضى كبار السن، خاصة مرضى ألزهايمر.
حدثينا عن مشروعات وطموحات مؤسسة الباقيات الصالحات خلال الفترة القادمة؟
- لدينا أيضاً داخل صرح الباقيات الصالحات المعهد الفنى للتمريض بنظام الخمس سنوات، وبداخله حوالى 265 طالباً وطالبة يتلقون دراسة التمريض، بقيادة المشرفة الأكاديمية الدكتورة كوثر محمود، وهى مستشارة ومسئولة المعهد الفنى للتمريض، بالإضافة إلى «دار ضنايا» المختصة بعلاج الأطفال مرضى السرطان، وقدمنا الخدمات العلاجية إلى نصف مليون طفل على مدار 16 سنة من عمر جمعية الباقيات الصالحات، التى بداخلها أول مستشفى فى الشرق الأوسط والوطن العربى وأفريقيا وهى المقصد لمرضى ألزهايمر.
ماذا قدمت مؤسسة الباقيات الصالحات منذ تأسيسها على المستوى الاجتماعى؟
- هناك مساعدات عينية واجتماعية تتمثل فى اللجان الإغاثية وتقديم جهاز العرائس والمنح الدراسية لغير القادرين وتقديم الأطراف الصناعية وتقديم الدعم للأيتام فى بيوتهم، ومنح رحلات الحج والعمرة ومساعدات مختلفة، حيث ساعدنا نحو 100 ألف أسرة على مدار 10 سنوات من تاريخ المساعدات، التى ضمت أيضاً تكريم أمهات الشهداء، وهو حلم كبير نتمنى أن يتحقق ومازال المستشفى يحتاج إلى دعم للمرحلتين الثانية والثالثة، ونتمنى من الله أن يساعدنا.
ماذا تقولين بمناسبة الذكرى الثانية لرحيل الوالدة؟
- الدكتورة كانت قنديلاً للدعوة وكانت ظاهراً وباطناً فى حالة من الصدق والإخلاص التام مع الله سبحانه وتعالى، ولم يكن قولاً فقط بل كان فعلاً وعملاً على الأرض، حتى فكرها فى هذا العمل كان مختلفاً وهادئاً ومستنيراً، فكرت بمرتبة الإحساس وتخفيف المعاناة عن المرضى وأسرهم، وكانت آخر كلماتها أن يكتب الخير فى صحيفتها، وأوصت بالمحتاجين خيراً: «الصفحة التى لم أكتبها ستكتب عنى بخالصة الخلوص والتفانى والعطاء بالعمل الصالح سواء أكان ولداً صالحاً أم علماً نافعاً أو عملاً صالحاً والكلمات لم تقرأ عنى ستبلغ شغاف القلوب التى أحبتنى فى سلام.. وبالغوث والغياث سأشهد ملائكة السماء تحمل مهجتى على قطيفة خضراء لتخرج نفسى كالحرير من الحرير فلا أشواك ولا أسقام وستبلغنى أنوار كلماتك.. يا أيتها النفس المطمئنة ارجعى إلى ربك راضية مرضية فادخلى فى عبادى وادخلى جنتى.. الفقيرة إلى الله عبلة الكحلاوى».
استراتيجية الجمعية
لدينا فكر واستراتيجية واضحة لرعاية المرضى، واخترنا هذا المجال لوجود ندرة وفجوة على مستوى العالم، بالإضافة إلى ارتفاع الشريحة العمرية لكبار السن، فالمتوقع أن يصل عدد مرضى ألزهايمر إلى 24 مليون شخص عام 2030 وعام 2050 سيصل من 150 إلى 154 مليون شخص، لذا هناك تخوف عالمى كبير لدرجة أن بعض الدول الكبرى تنفق بحجم ميزانيات دول صغيرة لمواجهة هذا التطور الكبير فى تحدى المرض، ومن المتوقع أن تزيد هذه الإنفاقات بالإضافة إلى الخلل والتخوف الأسرى.