تابعت بشغف خبر افتتاح مصنع لتصنيع «اللحوم النباتية» بالكامل فى مدينة دبى الصناعية، بدولة الإمارات العربية المتحدة، الذى تم الترويج له بكونه الأول من نوعه بمنطقة الشرق الأوسط، وهو خبر لم أجده عادياً بالنظر إلى السياق العام، بل خطوة ضمن توجه راهن للبحث عن بدائل لتعزيز الأمن الغذائى، وتطوير الإنتاج المستدام، فى ظل أزمة غذاء عالمية غير مسبوقة.
وأزمة الغذاء العالمية ليست وحدها مَن يدفع نحو هذا التوجه، فإن تداعيات «تغير المناخ» تفرض هى الأخرى آثاراً سلبية على الإنتاج الزراعى والحيوانى، حيث تتسبب فى ندرة المياه وتآكل المحاصيل الزراعية، وكذا الإضرار المباشر بالثروة الحيوانية أو الداجنة، من خلال المساس بخصوبتها، وتهديد أجنتها بالآفات والوفاة، ليغدو طوق النجاة أمام البلدان هو التوسع فى بدائل اللحوم الحيوانية لضمان الصمود والاستدامة فى مواجهة تأثيرات الطبيعة والمناخ.
خطوة تصنيع اللحوم النباتية التى قد يُنظر لها فى بلدان الشرق الأوسط باعتبارها جديدة، أو تعكس نوعاً من الرفاهية، قد تأخرت كثيراً فى الوصول إلينا من الغرب، وغدت ضرورية فى توقيت دقيق يواجه فيه العالم تحدى «ندرة الموارد»، ويكفى أن نستعرض إحصائية صادمة لندرك أين نقف، وإلى أين علينا أن نتحرك: فإن إنتاج كيلوجرام واحد من لحوم البقر يستهلك حوالى 15 ألف لتر من الماء، والتى تكفى لإنتاج نحو 12 كيلوجراماً من القمح!
هل سمعت يوماً عن الماء الذى تأكله؟
يستهلك كل فرد يومياً منتجات تحتوى على كميات كبيرة من المياه دون أن يدرك ذلك، حيث ذكرت تقارير أن إنتاج كيلوجرام واحد من الأرز يحتاج إلى نحو 2500 لتر مياه، وتصل هذه الكمية إلى حوالى 1300 لتر مياه لكل كيلوجرام من الجبن، و17 ألف لتر لكل كيلوجرام شيكولاتة، ونحو 500 لتر مياه لكل لتر من اللبن، والرقم الأخير لن يصدمك إذا عرفت أن ذلك يشمل ما تشربه الأبقار وتُروى به الأعلاف!والإنتاج الحيوانى الذى يبتلع الموارد من المياه، له أيضاً آثارٌ ضارة على البيئة ترتبط بتصاعد الاحتباس الحرارى، إلا أن السياق الوطنى يجعلنى أرى ضرورة التركيز على البُعد المائى، واعتبار أن توجّه الدولة الراهن نحو ترشيد استهلاك المياه ورفع كفاءة إدارتها، يمثل إطاراً فاعلاً لاستيعاب العديد من الأفكار والفرص، بما لا يقتصر على إيجاد مصادر بديلة للمياه العذبة، تعوض الفجوة بين الموارد والاحتياج، بل يمتد إلى تبنى نموذج تصنيع اللحوم النباتية، الناجح فى ترشيد المياه، ولدينا فى مصر العديد من المناطق الاقتصادية القادرة بإمكانياتها على جذب الاستثمارات فى هذا المجال الواعد من أجل غد أفضل مائياً وبيئياً.