من يستنكرون سهام النقد التي طالت احدى النجمات لدى ظهورها في أول حلقة بعمل درامي رمضاني، يتناسون حقيقة أن الكثيرين يأسرهم "الإنطباع الأول"، الذي يحفرُ في أذهانهم قناعات يصعبُ محوها أو تغييرها، فينتصر شعور "الارتياح" على خبرة "التجربة"، حتى وإن ثبُت دوماً أنه انطباع زائف!
فمن منا لم يسمع أحداً يصف شخصاً بعد لقاء عابر أنه "باين عليه جدع"؟ أو يشير لثنائي مُنسجم يستعدُ لخطوة الزواج بقوله "شكلهم لايقين على بعض"؟ أو ينتهي يومه الأول في عمله الجديد فيهمس "حاسس انى هرتاح في الشغلانة دي"؟ وربما يدير وجهه طيلة حياته عن شخص أو مكان بزعم أنه "مش مرتاحله"، فلماذا نتعجب أن يكون رد فعل أشخاص تجاه الممثلة "رحمة" مع أول مشاهدها بالنسخة السابعة من مسلسل الكبير أوي مُحملاً بهذا القدر من الهجوم غير المُبرر؟
الانسياق وراء "الإنطباع الأول" يشبه إلى حد كبير ترك صنف طعام لأن لونه لا يعجبك! فهو حكم قاصر محدود النظرة، فأنت لم تتكلف في هذه الحالة عناء أن تشتم رائحة الطعام، أو تتذوقه وتستكشف المذاق وتناغم المكونات، قبل أن تُصدر حُكماً قاطعاً بالانجذاب لهذا الصنف أو تركه، وينطبق ذلك على التعامل الإنساني ليكون من الظلم أن تكون الانطباعات الأولى سبباً في الحكم القاطع على شخص ما، ومبرراً للاقتراب منه أو نبذه على الإطلاق دون منحه الفرصة كاملة لإثبات حقيقته.
خطورة الإنطباع الأول تكمن في أنه مؤشر ظالم للحُكم على إنسان، ولا أجد خيراً من الأمثلة العملية لإثبات صحة هذا الطرح، فهذا الانطباع الزائف تسبب حيناً في رفض منح وظيفة لشخص خلال مقابلة عمل، أو إهمال طالب من جانب معلمه لكونه إنطوائي لا يتفاعل خلال الحصة المدرسية، وفي المقابل، ربما صادفت موظفاً دائم الترقي ونيل الحوافز لكونه قادراً على اكتساب ثقة مديره دون اعتبار للكفاءة، أو طالباً يحظى باهتمام المعلم لكونه ذو كاريزما خاصة دون النظر لتفوقه الدراسي.
كيف تتجنب السقوط في فخ "الإنطباع الأول"؟
الانطباع الأول هو حتماً فخ، يجب أن نتجنب أن نغدو أحد ضحاياه، حيث أن نتائجه السلبية لا تتوقف عند الظلم الواقع على من يتكون عنه هذا الانطباع، بل تمتد إلى صاحب الإنطباع ذاته، الذي قد يخسر بوقوعه في هذا الفخ الكثير من الفرص الذهبية، نتيجة الانسياق وراء انطباعات خاطئة، وليدة لحظتها، والطريق لتجنب هذا الفخ، يكون بالوعي وزيادة الإدراك وتجنب التسرع في إطلاق أحكام وتكوين صور ذهنية غير مكتملة ذات تأثير طويل الأمد، فالحياة تستحق منا أن نُمهل الأشخاص فرصة كاملة لإثبات حقيقتهم، وجوهر معدنهم، ومنحى سلوكهم.
لا أكتب دفاعاً عن "رحمة"، وإن كانت في موقف يستحق الدفاع، ولكن أكتب دفاعاً عن ضحايا كُثُر فقدوا العديد من الفرص التي كانوا جديرين بها، تحت مقصلة "الانطباع الأول".