المجد للفاشية

قلبى يؤلمنى، وعقلى يؤلمنى، وجسمى يؤلمنى. يومان كاملان وأنا أبكى -كالنساء- على شهداء سيناء، وعلى كل الذين سبقوهم إلى الجنة. نار الغل تحرق الكتابة، فأقف عاجزاً وأقول وأنا مطأطأ الرأس أمام صفوف الجثامين: نحن إلى جواركم لا شىء. نحن أتفه وأهون من التراب الذى تدوسون عليه. أنتم أجمل وأعظم وأصدق ما فينا. أنتم شرفنا وعرضنا ونخوتنا. أنتم أكثر من أبطال، وأقل من أنبياء. ونعال بياداتكم أشرف من كل الذين يناضلون ضد رسالتكم ويهتفون بسقوطكم، وأخشى أن نكون أقل من أن نستحقكم. لسنا حزانى على موتكم، فهو مهنتكم المقدسة. موتكم هو المرتبة الأعلى فى سلم العقيدة القتالية لجوهرة جيوش الأرض. موتكم هو الذى حرر مصر، وأبقاها. ودماؤكم هى التى رسمت خريطة وجودها. ونحن واثقون من أن بلداً أنعم الله عليه بجيش كهذا.. سينتصر. والله.. مصر ستنتصر. ستدفع ثمناً باهظاً.. لكنها ستنتصر. البلد الذى استعمرته قوى عظمى وممالك منحطة وعاش كل هذه الآلاف من السنين.. سينتصر. البلد الذى يختبئ على ضفتى نهر، وثلاثة أرباع الجسم صحراء مكشوفة، وعاش كل هذه الآلاف من السنين.. سينتصر. لسنا حزانى يا سيادة الرئيس.. لكننا غاضبون. لم يعد لدينا حزن لنحزن. لم تعد لدينا دموع لنبكى. بكينا كثيراً حتى تقطعت أوصالنا، وجفت أقلامنا، وغشت عيوننا سحابة حزن، فأصبحنا نخطئ فى «عد» الشهداء، ونشيح بوجوهنا بعيداً عن صورهم وفيديوهات قتلهم، ونمشى فى جنازاتهم قانعين بقضاء الله.. آملين أن تكون هذه آخر الأحزان. غاضبون لأن فينا من أصبح يحبك وهو خائف عليك -وعلى مصر- من رعشة الجندى وهو يقولها لـ«صلاح الدين» بين الأسى والرجاء: «لا أمل لها غيرك». غاضبون لأنك لا تغضب يا سيادة الرئيس، وتصر على أن تكون مؤدباً، ودوداً، بينما خصومك يضربونك ويضربون مصر فى كل أنحائها، و«يلغون» فى دماء شهدائها، ويحرقون أرضنا وقطاراتنا وسياراتنا وبيوتنا وجامعاتنا.. وقلوبنا أيضاً. هذه ساعة غضب -لا حزن- يا سيادة الرئيس. وساعة الغضب لا تعرف حباً ولا أعذاراً، بل ثأراً حارقاً. لقد تعبنا وصبرنا وربطنا على بطوننا جبل المقطم. غالطنا أنفسنا وانتظرنا ضوءاً يلوح فى آخر النفق، لكننا مع الأسف لا نزال فى أوله. كنا دائماً، وما زلنا، رهن إشارتك، لكن ريح الموت تلفحنا، ورائحة احتراق لحم شهدائنا تخنقنا، فكن فاشياً. أرنى تكشيرتك. أسمعنى صوت قبضتك وهى تدق المنبر مثل جمال عبدالناصر. اخلع بدلة الرئيس، فسياقها لم يأتِ بعد. احزم بيادتك وادهن جلدها بزيوت الغل التى أحرقت قلوبنا على شهداء سيناء. اشف غلنا، وثُر لشهدائنا، وإذا كان ثمن دمائهم أن تحرق سيناء بأخضرها ويابسها.. فأحرقها. افرشها «نابالم» لتتطهر. أفرغها من سكانها، ففيهم طيبون.. لكن أغلبهم بيئة موت، وحاضنة لحى كافرة، ومن يستعصى عليك وعلى أمن مصر خذه بعصيانه. إذا كان ثمن دمائهم أن تمد يدك فى جحور عصابة الإخوان وتنتزعهم من غرف نومهم.. فمدها. إنها حربك المقدسة. اختيارك الذى أتى بك رئيساً لتحمينا. وسنحميك بجوعنا وعطشنا وعرينا من خسارته.. فإما أنت أو الكارثة. والكارثة أنك تعرف أننا نقف الآن على حافتها ولا تريد أن تغضب. اغضب يا سيادة الرئيس. اذهب إلى عدوك وعدونا وعدو الله فى مخدعه. لا تلاحقه.. بل بادره بموته. اذبحه حتى وهو يتوسل ويستحلفك بحرمة الدم. فهو كذوب، لا يعرف للدم حرمة، ولا تجوز عليه رحمة. افتح باب التطوع للمصريين؛ رجالاً ونساءً.. هذا ليس جيشنا فحسب، بل لحمنا ودمنا. ووالله، وشرف شهدائنا، لن أتوقف عن مديحك.. وتحريضك.. حتى يصبح الإخوان وكلابهم أثراً بعد عين. لن يغلبنى فى كشف حبك خجل أو ملامة، ولن تأخذنى بخصومك شفقة، ولن أوفر فى الكتابة عنك حرفاً، لكننى لن أسامحك ولن أغفر لك دماء شهدائنا إلا إذا رأيتك فاشياً.