صدر عن مركز «تريندز» للبحوث والاستشارات كتاب مهم، عنوانه: «موقف جماعة الإخوان من الحقوق والحريات.. تعارض قيمى واستغلال مصلحى»، وهو الكتاب العاشر ضمن موسوعة الإخوان التى يصدرها المركز الذى يتخذ من دولة الإمارات مقراً له، ويأتى الكتاب فى خمسة فصول:الفصل الأول: بين الاستضعاف والتمكين موقف الإخوان المسلمين من المشاركة السياسية وتداول السلطة.الفصل الثانى: جماعة الإخوان المسلمين وموقفها من حرية التعبير والتفكير والبحث العلمى.الفصل الثالث: موقف جماعة الإخوان من حرية المعتقد.
الفصل الرابع: جماعة الإخوان والمجتمع المدنى.الفصل الخامس: المرأة لدى جماعة الإخوان.. الرؤية والواقع.
وأثبتت المسائل التى طرحها الكتاب أن الإخوان كفكر ما زال موجوداً، وتجب مقاومته، وتكشف الدراسة عن الازدواجية والانتهازية التى تتعامل بها جماعة الإخوان لتحقيق أهدافها انطلاقاً من تبنيها مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة»، وأثبتت الدراسة أن الجماعة لا تؤمن بمبادئ الديمقراطية والحقوق والحريات وما يرتبط بها من مفاهيم، ليس لتعارض كل ذلك مع منهجها الفكرى، وإنما أيضاً لسبب آخر هو ارتباط تلك المفاهيم بالدولة المدنية الحديثة، التى تعدها الجماعة معادية للإسلام، أو على الأقل متعارضة معه.
وترى الجماعة وفق أدبياتها أن المجتمع والدولة الحديثة تقوم على أفكار مرفوضة، وهى النظرة التى تبناها سيد قطب وعبدالقادر عودة وسعيد حوى وعلى جريشة وفتحى يكن، من منطلق (الافتراق الكامل بين النظام الإسلامى والأنظمة الأخرى فى القانون والتشريع والنظام الاجتماعى والاقتصادى والسياسى)، ولفت الكتاب الانتباه إلى أن تصور جماعة الإخوان للمفاهيم السياسية يختلف اختلافاً كبيراً عن معناها ومضمونها الحقيقى المتعارف عليه فى العلوم السياسية، وأن من أبرز دلائل عدم إيمان جماعة الإخوان المسلمين بمفهومى المشاركة السياسية وتداول السلطة، هو عدم تطبيقها لهما داخل هيكلها التنظيمى، وما يدور بين جبهتى لندن وإسطنبول؛ حيث تسيطر فكرة الديكتاتورية القيادية وإقصاء المعارضة، وعدم السماح بوجود أى شكل من أشكالها، بالإضافة إلى أن تولّى المناصب القيادية يكون بناءً على الولاء للقيادة، والهرم التنظيمى، وليس بناءً على الكفاءة.
وكشف الكتاب بشكل واضح وجلىّ عن وجود فجوة كبيرة بين ما تعلنه جماعة الإخوان المسلمين واحترام للحقوق والحريات العامة وبين تطبيقها الفعلى لهذه الحقوق والحريات، حتى تحول هذا القبول والاحترام إلى مجرد شعارات لا قيمة لها، ولكن يجرى توظيفها لخدمة أهداف الجماعة.وجماعة الإخوان تتعامل -وفقاً للكتاب- مع مفاهيم المشاركة السياسية والتداول السلمى للسلطة، بنوع من الانتهازية والبرجماتية القائمة على التقية السياسية والدينية؛ بهدف الوصول إلى السلطة وإقامة الدولة الإخوانية للانطلاق نحو قيادة العالم تحت شعار «أستاذية العالم» وفق ما جاء فى فكر مؤسسها حسن البنا.
وتستغل مرحلة الاستضعاف أو الابتلاءات لترسيخ وجودها على الساحة، وتعزيز دورها فى مواجهة الأنظمة السياسية القائمة، مستغلين توظيف المحن والسجون والبلايا، مع أن المحن والسجون والابتلاءات لا عبرة بها فى مدارك الصواب، لأنها تحصل للمؤمن وغير المؤمن والكافر، ومن ثم فليس فى الاستضعاف أدنى دليل على سلامة المنهج، وخلو الأفكار من الانحراف، فقد دخل يوسف -عليه السلام- السجن وهو على الحق، ودخله معه فتيان مشركان وهما على الباطل، ويُمتحن بالسجون والبلايا أهل الحق وأهل الباطل.
ويؤكد الكتاب أن الجماعة حين تكون فى السلطة تعمل على إقصاء المعارضة بشتى أشكالها وصورها، لقطع الطريق على أى تداول سلمى للسلطة، مستخدمةً فى ذلك سلاح التكفير عبر اتهام الخصم بالوقوف ضد تطبيق الشريعة ومعاداة الإسلام، ما يجعل تلك القوى فى مرمى نيران التكفير والتهديد.
وتشير تجارب جماعة الإخوان المسلمين وفروعها المختلفة مع المشاركة السياسية والتداول السلمى للسلطة، إلى أنها لم تؤمن بتلك المفاهيم قَطُّ، نظراً لأن مرجعيتها الفكرية ترى أنها مفاهيم غربية تتنافى مع الطبيعة السياسية للإسلام وأصول الحكم فيه، وأن التعامل معها يكون من باب الضرورات التى تبيح المحظورات.
ومن خلال تحليل الكتاب لبعض النصوص المؤسسة لجماعة الإخوان المسلمين، يتضح أن الجماعة لا تؤمن بحرية التعبير ولا بحرية التفكير والبحث العلمى؛ لأنها تعتقد اعتقاداً راسخاً أنها تمتلك الحقيقة المطلقة، وأنها الوحيدة التى تمثل الإسلام الحقيقى.
وأخيراً: فات الدراسة أن تتناول وترصد بعين الدقة فتاوى جماعة الإخوان ومدى تناقضها وتضاربها وفق ما تقتضيه حالة الجماعة، لا وفق القواعد والمناهج العلمية المتبعة فى الفتوى، وكيف أن هذه الفتاوى مثلث صورة من التناقض الفظيع والتضارب المقصود، فى عدد من القضايا الدينية التى أشهرها الموقف من القدس والجهاد، وأيضاً كان من المهم اختيار مرجعية إخوانية سياسية أو دينية لتكون نموذجاً إضافياً يتم من خلاله رصد الفجوة بين القول والتطبيق، وتبنى مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة»، والتناقض المشين فى الأفكار والرؤى والأطروحات.