أربع سنوات مرت على المصريين تركت فى داخلهم ذكريات متضاربة ما بين الفرح والحزن، والأمل والتشاؤم، والحلم بالمستقبل والخوف مما هو مقبل. وتحول المصريون إلى ما يشبه موج البحر فى هديره وهدوئه وفقاً للرياح وصعودها أو هبوطها.
ورغم كل ما مررنا به فإن الأيام التى نعيشها الآن تمثل فارقاً كبيراً، فقد تحول شهر مارس من مجرد أيام تمر بنا ونتمنى عبورها إلى أيام مصيرية تحسم العديد من الأمور، وتتحكم فى مصائرنا ومشاعرنا تجاه المستقبل.
غداً تبت المحكمة الدستورية العليا فى مصير انتخابات مجلس النواب، وإذا ما كانت ستتم فى موعدها أم سنعود مجدداً للمربع صفر، وما يترتب على ذلك من تأثيرات وتداعيات على العديد من الأمور أبرزها المؤتمر الاقتصادى فى شرم الشيخ، والجدل السياسى الدائر فى البلاد حول قوانين الانتخابات ومسار العملية السياسية.
وبعد أسبوعين يحل المؤتمر الاقتصادى الذى يمثل أمل استعادة الاقتصاد المصرى لمساره ولثقة المستثمرين، بعد سنوات عجاف شهدت تراجعاً وانهياراً غير مسبوق لم نعهده حتى فى عصر النكسة، وهو المؤتمر الذى يواجه تحديات عنيفة ومحاولات مضنية من الإرهابيين لإفشاله تارة بالاتصالات أو الضغوط السياسية وأخرى بالتلويحات والتهديدات الكلامية أو بأفعال إرهابية تسعى لتخويف وترهيب المستثمرين ومنعهم من العودة للاستثمار فى مصر.
ولن يمر الشهر دون أن يترك بصمة إقليمية فى نهايته بانعقاد مؤتمر القمة العربية فى مدينة شرم الشيخ
وهو المؤتمر المعنى بالنظر فى تحديات تاريخية تهدد الأمن القومى العربى وتتجاوز لأول مرة تهديدات خارجية إلى واقع إقليمى مرير ينذر بانهيار مؤسسات الدولة القائمة، وتحويل الصراع الدائر من اقتصادى اجتماعى داخل الدولة الواحدة إلى صراع عقائدى للطوائف على مساحات جغرافية مفتتة من بقايا دول كانت قائمة، وهى تحديات فرضتها عمليات تغيير متتالية تجاوزت فى سرعتها القدرة على احتوائها أو التفاعل معها والسيطرة على زمامها بفعل ضعف محل للقوى المعنية وضغوطات وتدخلات خارجية استهدفت توظيف عملية التغيير لصالحها.
شهر تمثل بدايته وأوسطه ونهايته فصولاً كاملة لكتاب تاريخ عن مرحلة مهمة من مراحل إنقاذ الدولة المصرية فى وجه قوى لا ترغب فى الاستيلاء عليها، وإنما تسعى لهدمها، وتحويلها إلى دويلات للطوائف تتصارع فيما بينها بينما تترك الخطر الحقيقى آمناً مطمئناً.
المثير فى هذا الشهر أنه يشبه مثيله قبل 60 عاماً، أقصد مارس عام 1954 حينما تقاذقت الأمواج الثورة المصرية وزجّت بها فى دوامات عنيفة تجاذبتها قوى عتيدة داخلية وخارجية ما بين سياسية ودينية واجتماعية وإقليمية ودولية، وكادت أن تعصف بالثورة وتقضى عليها لولا قدرة أصحاب المصلحة على التماسك والتوحد فى مواجهة الأعاصير والخروج بالثورة من المآزق إلى آفاق مختلفة.
المؤكد أن لاعبين جدداً انضموا لشهر مارس القرن الحادى والعشرين، وأن إرادات جديدة فرضت نفسها على الملعب، وأن أصحاب المصلحة لا يملكون ذات المستويات من الإرادة أو القدرة على الفعل، غير أن ما يمكن أن يوحدهم هو مواجهتهم عدواً واحداً متماسكاً يعرف جيداً كيف يؤجل خلافاته لمراحل لاحقة.