يوم 28 فبراير الماضى احتفلت الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية بتوزيع جائزة صموئيل حبيب للتميز فى مجال العمل الاجتماعى التطوعى. هذه الجائزة التى أنشأها مؤسس الهيئة فى عام 2000 ذهبت هذا العام لجمعية أصدقاء الأطفال المرضى بالسرطان (واحة الصحة والأمل) كنموذج لمؤسسة متميزة فى مجال العمل الاجتماعى، كما ذهبت إلى نيافة الأنبا توماس أسقف القوصية ومير كنموذج للقيادة المسيحية التى تنشط فى مجال التنمية وتساعد على تحقيق اللحمة الوطنية.
تمر عملية اختيار الجمعية والقيادة الفائزتين فى المسابقة الثانوية بمرحلتين، المرحلة الأولى تتمثل فى استقبال أوراق المتقدمين وفحصها مكتبياً مع تنظيم زيارات ميدانية لمقار المتقدمين للتثبت من صحة البيانات الورقية والتأكد من استيفاء معايير الجائزة وأهمها العمل المؤسسى. هذه النقطة الأخيرة تعد غاية فى الأهمية لأنها تعنى أنه بغض النظر عمن يتقدم للجائزة (جمعية أو قيادة) فإن المحك هو أن يكون المتقدم واجهة لعمل جماعى لا ممثلاً لجهد فردى، وأن يعبر عن استمرارية الخدمة المجتمعية لا عن أداء عارض أو ظرفى حتى وإن كان هذا الأداء ناجحاً. تتحمل مسئولية المرحلة الأولى لجنة متميزة من سبعة خبراء أربعة منهم من خارج الهيئة، ومدة عمل اللجنة التى تتشكل بقرار من مجلس الإدارة ثلاث سنوات. وقد تلقت لجنة الاختيار فى عام 2014 أوراق 13 جمعية و4 شخصيات عامة و3 من رجال الدين المسيحى، ثم قامت بتصفيتهم إلى 7 متقدمين ورفعت أوراقهم إلى لجنة التحكيم التى تتولى مسئولية المرحلة الثانية. تتشكل لجنة التحكيم برئاسة المدير العام للهيئة الذى انتُخب منذ أيام قليلة رئيساً للطائفة الإنجيلية الدكتور القس أندريا زكى، وعضوية 12 عضواً آخرين بينهم 5 من كبار الخبراء من خارج الهيئة. تفحص اللجنة ملفات المتقدمين وتتخذ قرارها بعد تصويت سرى، وهى مثل لجنة الاختيار عضويتها تجدد كل ثلاث سنوات. وفى تبرير تصويت المحكمين لصالح جمعية «واحة الصحة والأمل» لهذا العام، وقع التركيز على تميز الخدمة التى تقدمها هذه الجمعية لكونها تعنى بمداواة الآثار النفسية للأطفال مرضى السرطان وذويهم. تستقبل الجمعية الأطفال بعدما يتلقون جرعات العلاج الكيماوى وتفتح لهم أبواب واحتها للترويح والتسرية وتقدم لهم نظاماً غذائياً خاصاً خلال فترة العلاج، وفى بعض الأحيان تنجح فى توفير فرص عمل لذويهم ممن يكونون عادة من المصريين الأشد فقراً. كثيرون من المشتغلين بالعمل التطوعى يجتهدون لتدبير نفقات علاج مرضى السرطان خاصة الأطفال، وهذا جهد مُقدَّر ومشكور فى حد ذاته، لكن هذا المرض له جوانبه النفسية بالغة الوطأة والتى ما لم يتم تداركها فإنها تترك آثاراً غائرة تدوم، ومن هنا جاء تفرد «واحة الصحة والأمل». أما تصويت لجنة التحكيم لصالح نيافة الأنبا توماس فقد استند إلى اهتمامه بالتعليم والتنشئة المجتمعية حيث أسس مدرسة للغات وبيتاً للأنشطة الروحية وهيئة للتنمية والتربية على حقوق الإنسان.
فى هذا التقليد السنوى للهيئة القبطية الإنجيلية تلفت النظر عدة أمور تشيع بعض الأمل فى وسط ملىء بالإحباطات نعيش فيه، فمن جهة نحن إزاء جمعية أهلية تدعم وتساند غيرها من الجمعيات الأهلية، ومما يُذكر فى هذا الشأن أن الجائزة المالية التى تقدمها الهيئة سواء لجمعية أو لقيادة دينية تشترط أن تدخل فى حساب المؤسسة ويعاد تدويرها لصالح قضية تنموية، وهكذا فإنه فى وقت تتصارع فيه مؤسسات المجتمع المدنى على التمويل تقدم الهيئة نموذجاً مختلفاً. ومن جهة ثانية فإن تمويل الجائزة السنوية وكذلك تمويل نحو 40% من أنشطة الهيئة يأتى عن طريق مواردها الذاتية، فللهيئة مصنع للأخشاب على أعلى مستوى فى إطسا ومشاتل زراعية أيضاً فى إطسا ومستشفى للعيون فى المنيا ومكتبة دار الثقافة بفروعها المتعددة فى القاهرة والإسكندرية والمنيا وأسيوط. ومن جهة ثالثة فإنه لا جائزة صموئيل حبيب ولا عموم نشاط الهيئة يستهدف المسيحيين أو الطائفة الإنجيلية حصراً، فالأنبا توماس أحد الفائزين بجائزة هذا العام أرثوذكسى، وفى قائمة الفائزين فى السنوات السابقة ستجد قامات مثل دكتور محمد غنيم ودكتور محمد القصاص وستجد أيضاً جمعية «رسالة للتنمية والأعمال الخيرية».
فى هذا العام تتم الهيئة 65 سنة تطورت خلالها من مشروع صغير لمحو الأمية فى قرية نزلة حرز بالمنيا عام 1950 إلى كيان ضخم تصل خدماته إلى نحو 3 ملايين مصرى أكثرهم من أبناء الطبقات الأشد فقراً وسكان المناطق العشوائية. وهى علاوة على هذا الدور الاجتماعى - الاقتصادى الذى تؤديه فإنها ترعى العديد من الحوارات الثقافية بين الشيوخ والقساوسة وبين المصريين وأشقائهم العرب وتفتح قنوات للتفاعل الحضارى مع أوروبا والولايات المتحدة. ومن هنا فإن جائزة صموئيل حبيب بقدر ما تذهب إلى رموز بارزة فى مجال العمل التطوعى والتنمية بمعناها الشامل، فإنها فى الوقت نفسه تؤشر لتميز الهيئة كواحدة من أبرز وأنشط منظمات المجتمع المدنى فى مصر، تعمل فى صمت وحب وإخلاص على أفضل ما يكون.