(1)
هل تفلس الدولة المصرية كما حدث فى عهد الخديو إسماعيل؟
هل أخطأت الدولة المصرية فى الـ10 سنوات الماضية؟
ماذا يحدث؟
(2)
تعرضت مصر لمجموعة من الانفجارات الكبرى أو الصدمات غير العادية أو الهزات غير التقليدية (The Big Bangs) فى الفترة من 1950 حتى 2013.
تغير نظام الحكم فى 52.
4 حروب فى 56 و62 و67 و73 ومن قبلها فى 48، إضافة للحرب على الإرهاب منذ 2013.
اُغتيل رئيس وعُزل ثلاثة.
3 ثورات تقريباً فى 1952 و2011 و2013.
الكثير من الفوضى والفساد والفقر ومناخ سياسى أشد فقراً.
مناخ سياسى هش، ظل حبيس غرف معبأة بالفورمالين (مادة تستخدم للحفاظ على الجثث من التعفن) لاستمرار بقاء الأنظمة المتتابعة قدر الإمكان.
بالتبعية، كانت الأوضاع مهيأة للفوضى أكثر من الاستقرار.
تعداد سكانى فاق تعداد سكان 6 دول أوروبية، ومعدلات نمو أقل 3 مرات من المعدل المفترض لمواكبة هذه الزيادة.
هذه الصدمات الكبرى خلقت أزمات متعددة (Polycrisis)، طوال هذه السنوات، بتركيبات هيكلية شديدة الصعوبة، والأخطر استمراريتها وتعقيداتها (permacrisis).
هذه الانفجارات خلقت حالة من الجمود.
حُصرت مصر بين خيارين، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة وما يمكن وصفه بالتمنى بلا إرادة.
هذه الهزات غير التقليدية فككت مفاصل الدولة وجمدت مواردها عند حدود معينة وجعلت من الفوضى سيناريو قائماً وحاضراً.
(3)
الفوضى ليست نظرية مقنعة والاضطرابات يجب ألا تدوم.
شكلت هذه الزاوية رؤية الدولة المصرية منذ 2014.
أخذت قرارات إصلاحية، ما كان يجب لها أن تتأخر كل هذه السنوات. اختارت الإصلاح رغم صعوبته، ودفعت من رصيد شعبيتها وشعبية رئيسها.
عملت عرضياً فى كل القطاعات، لمواجهة كل هذه الانفجارات.
صحيح أن هذه الانفجارات تُواجه، اليوم، بعسرة شديدة وآلام عظيمة وقرارات صعبة، لكن الصحيح أيضاً أنها تخلق واقعاً جديداً، بمكونات حقيقية جديدة، قائمة وفاعلة وقادرة على التعايش والتكيف، مع كل السياقات والتفاعلات. أى سياقات وأى تفاعلات.
يمكن للبعض أن ينكر الحقيقة، لكن لا يمكنه إنكار الواقع. وإذا كانت الحقيقة قابلة للتأويل، فى بعض الظروف وفى بعض السياقات، فإن الواقع لا يمكن تشويهه.
إطلاق قنابل كثيفة من الدخان لخلق ستائر من الضباب المصطنع لا يمكن أن يغير الواقع.
الدولة أنفقت أكثر من 6 تريليونات فى 7 سنوات فقط (2014-2021)، لمواجهة التراكمات السابقة. مواجهة سنوات اليأس والعجز وقلة الحيلة. أعادت بناء الدولة، بعد سنوات من التفسخ. سنوات وزعت فيها أجساد المصريين على أسرّة الفقر.
(4)
هل أخطأ النظام فى مصر فى الـ10 سنوات الماضية؟
باليقين، هناك أخطاء.
الأخطاء جزء من قواعد الحكم. أى حكم وأى نظام.
آليات الحكم، فى النهاية، مثلها مثل أى عمل وإن اختلفت الأدوار والمهام.
باليقين أيضاً، مقياس تأثير الأخطاء مرهون، فى المقابل، بحجم التحديات ومعدلات الإنجاز.
فى الـ10 سنوات الأخيرة وحدها، زاد تعداد سكان مصر قرابة الـ25 مليون نسمة.
تجاوز تعداد السكان الـ105 ملايين، بحسب بيانات جهاز الإحصاء، إضافة إلى 10 ملايين من الدول المجاورة، التى شهدت اضطرابات واسعة.
مصر الأولى عربياً والثالثة أفريقياً والرابعة عشرة عالمياً من حيث تعداد السكان.
5683 طفلاً يولدون يومياً فى مصر. 237 طفلاً فى الساعة. 4 أطفال فى الدقيقة. مولود واحد كل ثانية.
فى 1950 عاش 19 مليون نسمة على 3.5% من مساحة مصر. فى 2020 وصلنا 100 مليون يعيشون على 7% من مساحة مصر الكلية.
هذا التحول وهذا التغير الديموغرافى الكبير بدأ فى 1950. تغير دور الدولة بالتزامن مع وصول تعداد سكان مصر إلى 20.7 مليون نسمة.
لم تستوعب الإيرادات حجم هذا التوحش.
فى عام 1900 كان حجم مواردنا واستخداماتنا 10 ملايين جنيه. فى 1950 بلغت قيمة إيراداتنا 180 مليون جنيه واستخداماتنا 200 مليون جنيه. فى 2020 وصلت إيراداتنا لـ1309 مليارات جنيه واستخداماتنا لـ1742 ملياراً بخلاف المنح والقروض.
تحتاج مصر سنوياً إلى مليون فرصة عمل و48 ألف فصل مدرسى والكثير من الجامعات والمستشفيات والوحدات السكنية والبنية التحتية.
فى مصر 23 مليون أسرة يمتلكون بطاقات تموينية، يستفيد منها 64 مليون مواطن.
73 مليون مواطن يحصلون على الخبز المدعم يومياً. 250 مليون رغيف يومياً. 100 مليار رغيف سنوياً.
أكثر من 5 ملايين مواطن يحصلون على دعم شهرى، بتكلفة تتجاوز 25 مليار جنيه سنوياً.
زادت قيمة المعاشات المنصرفة من 86.5 مليار جنيه فى 2014 لتصبح 295 مليار جنيه فى 2022.
فى 2014 وصل إجمالى الأجور إلى 200 مليار جنيه تقريباً. فى موازنة العام الجارى وصلت الأجور إلى أكثر من 400 مليار جنيه.
زاد الدعم من 15 مليار جنيه فى عام 2000 إلى 529.7 مليار فى موازنة العام المالى الجارى.
فى الفترة من 1977 حتى 2014، أنشأت مصر 24 تجمعاً عمرانياً بتكلفة 75 مليار جنيه. فى الفترة من 2014 حتى 2020، خططت مصر لبناء 30 مدينة جديدة، اقتربت من الانتهاء جميعاً، بإجمالى استثمارات 690 مليار جنيه.
فى 7 سنوات نفذت مصر مليون وحدة سكنية مخفضة الأسعار ومدعومة للمواطنين.
فى 2014 كان حجم الإنفاق العام على الصحة 44 مليار جنيه. اليوم وصل إلى ما يقرب من 148 مليار جنيه.
فى 7 سنوات، تضاعف حجم الاستثمار الحكومى الموجه للتعليم بمعدل 417%.
أكثر من 700 مليار جنيه لتغيير وجه الريف المصرى. لتحسين حياة 4 آلاف قرية (58% من سكان مصر).
(5)
يجادل البعض بأن تعداد سكان الصين اقترب من المليار ونصف المليار نسمة، دون أى تأثير، على عكس الحقيقة.
انخفض عدد سكان الصين، العام الماضى، للمرة الأولى منذ ستة عقود. المكتب الوطنى للإحصاء فى الصين أعلن انخفاض عدد السكان بنحو 850 ألف شخص، ليبلغ نحو 1.412 مليار نسمة فى عام 2022، وهو أول انخفاض منذ عام 1961، العام الأخير لمجاعة الصين الكبرى.
تريد الصين الوصول إلى 800 مليون بحلول عام 2100.
انخفاض عدد السكان فى الصين نتاج لسياسة الطفل الواحد، التى بدأت فى عام 1979.
(5)
طوال التاريخ، أو على الأقل فى الفترة بين 1950 و2013، مثّلت أطراف الدولة المصرية حالة من التهديد المتواصل. حالة من الخطر القائم، نتيجة النسيان والإهمال.
شعرت هذه المناطق، لسنوات طويلة، بحالة من الغربة والعزلة، بالتبعية نبتت فيها حالات من الرخوة والسيولة.
فى 2014، أدركت الدولة خطورة المسألة.
فى 7 سنوات أنفقت ما يقرب من تريليون جنيه لتغيير وجه الصعيد.
600 مليار فى سيناء.
مئات المشروعات فى السلوم ومطروح.
حتى المشروعات التى فُقد الأمل فيها، أعادتها للحياة، دون أن تنسى فضل أصحابها.
توشكى، التى قيل عنها ما قيل، وعن أصحاب فكرتها ما قيل، عادت للحياة.
فى 2016، أنهت الدولة معاناة الأقباط. معاناة 160 عاماً من الصلاة سراً، بصدور قانون بناء الكنائس. ثانى القوانين المصرية، فى هذا الشأن، بعد قانون بناء الكنائس الأول، الصادر فى فبراير 1856.
(6)
هل تفلس الدولة المصرية كما حدث فى عهد الخديو إسماعيل؟
باليقين، الإجابة: لا.
أولاً، الدولة المصرية لم تتأخر ولو لمرة واحدة فى سداد أقساط الديون ولا يوجد ما ينفى ذلك أو يشير إلى عكسه.
ثانياً، سياسات الخديو إسماعيل جاءت فى سياقات معينة، كانت مختلفة كلياً عن السياسة القائمة، رغم حسن مقاصدها، فى ذلك التوقيت، بالمناسبة.
الخديو إسماعيل اقترض لشق قناة السويس، أهم مصادر الدخل المصرى حالياً، وبناء القاهرة الخديوية.
صحيح أن الخديو إسماعيل أخطأ فى تقدير أوزان مداخيل الدولة مقارنة بحجم ما اقترض، لكن الصحيح أيضاً أن ما اقترض من أجله، صار اليوم، أهم الحلول المصرية لمواجهة التغيرات الاقتصادية.
اقتصادياً، بالمناسبة، الاقتراض ليس سُبة.
دولة بحجم مصر، مداخيلها أقل من احتياجاتها الرئيسية للتنمية، ماذا لها أن تفعل؟!
العالم كله يعانى حالياً.
الأزمة الروسية الأوكرانية، ومن قبلها كورونا، هى الأزمة الأسوأ منذ عشرينات القرن الماضى.
معدل النمو العالمى تراجع من 3.1% فى عام 2022 إلى 2.1% فى 2023.
خسائر بتريليونات الدولارات. صحيح أن حجم معاناة الدول ليس واحداً، لكن الصحيح أيضاً أنه لا يمكن فصل ظروف كل دولة عن الأخرى.