(1)
هل مصر فى حاجة إلى الرئيس السيسى؟
(2)
يكتسب الحاكم فى مصر توصيفه، رئيساً أم زعيماً، من مشهد حضوره إلى سدة الحكم.
باليقين، من اللحظة التاريخية التى أتت به، وما حاوطها من سياقات وما دفعها من أحداث.
وإذا كان مشهد البداية مصيرياً وحاسماً، فى إطلاق التوصيف، على أى حاكم، فإن إيقاع التحدى الذى فرضته سنوات ما قبل الوصول إلى سدة الحكم وسنوات الحكم ذاتها، هى القول الفصل فى إطلاق هذا التوصيف وهذه التسمية.
يكتسب الرئيس توصيفه بفعل المنصب. الزعيم، هو نتاج نقطة الانطلاق وحجم ما وقع من تغيير، شريطة أن يكون هذا التغيير ماحياً لمشكلات ما كان لها أن تُحل، لولا هذا الزعيم.
فى سياق التعريفات، الرئيس هو من يتسلم بلاده فى ظروف معينة، ويسلمها فى الظروف نفسها. نقطتان فى نفس المستوى أو السطر، فقط باختلافات زمنية. الزعيم، هو من يتسلم بلاده على حافة الفوضى، ويضعها موضع الأمان، حتى وإن عاشت القليل من الاهتزازات، بفعل متغيرات فرضت نفسها بواقع الداخل أو تأثيرات الخارج.
بلغة التاريخ لم تكن مصر يوماً فى حاجة إلى رئيس قدر حاجتها إلى زعيم قادر على التعاطى مع الواقع وسياقاته ومشكلاته التاريخية، متجاوزاً حاجز الخوف على رصيد شعبيته، لأنه يختار الأصوب رغم مرارته.
الزعيم هو البطل الأوحد لدراما الحقيقة.
فى رأيى، أن لفظة الإبداع لفظة مطلقة وسائلة، تحمل خلافاً جوهرياً، فى توصيفاتها ومعانيها ودلالاتها، حين تلتصق بالأفكار، دون النظر إلى منبتها.
المبدع الحقيقى هو من يلتقط أفكاره من حياة الناس، من مشكلاتهم وصراعاتهم واحتياجاتهم. هذا هو الزعيم وهذا هو جوهر دراما الحقيقة.
(3)
ماذا إذن عن الرئيس السيسى؟
جاء الرئيس السيسى إلى سدة الحكم، فى لحظة وضعت فيها مصر كلها أسفل كتلة ثقيلة، أرادت أن تُزهق روحها إلى الأبد. كتلة ما كان لها أن تنزاح، لو لم يكن هو، ولو لم تكن هذه الأمة وهذا الشعب.
جاء إلى الحكم، فى لحظة حاسمة وقاطعة، بوصفه البطل والمخلص، القادر على إعادة هذه الأمة إلى توازنها.
أى جدال حول توصيف اللحظة التاريخية، التى جاء فيها الرئيس إلى الحكم، إنكار للواقع وليس للحقيقة، التى هى أقل مرتبة من الواقع.
كانت هذه اللحظة أولى دلالات الزعامة، قبل أى خطوة، زعامة اكتسبت شرعيتها من هتافات، كان لها دوى تاريخى: «انزل يا سيسى.. مرسى مش رئيسى».
إذن، لحظة الوصول أولى الإشارات ومنبت دلالات الزعامة.
وبقدر ما حملت لحظة الوصول انتشاء ملايين المصريين، بقدر ما كانت التحديات مخيفة ومزعجة ومقلقة.
فى دولة بحجم مصر ومشكلاتها وتحدياتها، سهل أن تكون معارضاً، صعب أن تختار المسئولية.
لم يكن للرئيس برنامج، قدر ما كنت لديه رؤية. الرؤية تجب كل البرامج، وتتجاوزها إلى الواقع.
بعد ١٠ سنوات يمكن أن نسأل:
هل كانت مصر بلا عشوائيات، حين وصل الرئيس إلى الحكم؟
اليوم هى فعلاً كذلك.
ماذا عن فيروس سى، أكثر مسببات الوفاة للمصريين، حتى سنوات قليلة مضت؟
اليوم اختفى هذا الشبح إلى الأبد.
الأمثلة كثيرة والأرقام لا تكذب. حجم التحديات وصعوبتها وحجم ما أنجز فيها، ما كان ليتحقق لولا الرئيس السيسى.
لم تكن السنوات الماضية بلا أخطاء، لكن إذا ما وُضعت فى سياق المقارنات، فإنها جزء من قواعد الحكم، لكنها لا تقارن بحجم الإنجاز مقروناً بحجم التحدى.
تجاوز الرئيس نظرية السير المستقيم بين نقطتين فى المستوى نفسه، إلى الصعود غير العادى من نقطة الانطلاق، التى كانت منحدراً يهدّد بقاء الدولة كلها فى ٢٠١٣.
تجاوزت مصر الكثير من التحديات، وتحمّل هو الكثير من المزايدات. ليس أسوأ من مزايدات، تصبح طوقاً لأصحابها، وتصير بالتبعية بداية لعبودية لا تنتهى من المظلومية.
(4)
من حق من يمتلكون القدرة على التقييم أن يعارضوا، إذا ما اختاروا ذلك، حتى إن كانت كتلتهم أخف كثيراً من الكتلة المؤيدة. هذه أمور لا فصال عليها، كما أن إدراك الواقع لا تفاوض فيه.
أيضاً، من حق من يمتلك القدرة على الترشح للانتخابات الرئاسية، أن يقدّم نفسه، لكن من حق الناس أن يعرفوا أن إجادة لغة الخطابة وهم، أو بالأحرى بضاعة لم يعد لها زبائن.
ولّى زمن الخطابة والشعارات إلى غير رجعة.
وإذا كان من شىء يجب أن يقال الآن، فإن محاولة استدعاء الإخوان إلى المشهد، تدثراً بالسياق القائم (الانتخابات الرئاسية)، لا يمكن قبوله أو قبول من يطرحه.
هذه رهانات خاسرة لأصحابها، قبل أى حديث وأى سياق.
هذا ما يمكن توصيفه بالانتحار بقوة دفع المظلومية، رغم أن زمن المظلوميات قد ولى أيضاً.
أسوأ أنواع الخداع أن يقدم إنسان نفسه بوصفه مسئولاً، بينما هو محاط بضباب كثيف مصطنع من الشعارات.
وكما أن فى كل مهنة نوعين من البشر؛ موهوبين وتجار جملة، فى السياسة نوعان أيضاً من البشر، مسئولون ودوائر مجوفة من الخطابة.