البداية الحقيقية لحرب أكتوبر لم تكن يوم السبت 6 أكتوبر 1973 . بداية الحرب كانت يوم 5 يونيو 1967 , حرب الأيام الستة حسب تسمية إسرائيل والنكسة حسب تسمية مصر.
ما بين 5 يونيو 1967 و6 أكتوبر 1973 تاريخ طويل ليس بعد الأيام والسنين وإنما بكمية الصبر الذي عاشه المصريون , بكمية العرق الذي بذله المصريون لإعادة جيشهم وإعداده لخوض معركة ثأر وكرماة واسترداد للأرض.
تاريخ بدأ بضرب الطيران المصري على الأرض بدون حرب وبدون اشتباك وبدون معركة . كان ضرب الطيران بمثابة تحقيق 90% من كسب إسرائيل المعركة والباقي تحصيل حاصل بعد أن ارتبكت القيادة المصرية وانتهى ارتباكها بالانسحاب غير الممنهج والمخالف للقواعد والأصول العسكرية . انسحب الجيش المصري عشوائيا بناء على قرار عشوائي من القائد العام عبد الحكيم عامر الذي لم يفز في أي معركة عسكرية أو سياسية في حياته . لا يتحمل ضابط أو جندي مصري تبعات الهزيمة وقرار الانسحاب.
أداء القيادة المصرية السياسي كان ملتبسا فمنع مرور الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر من خلال خليج العقبة وإغلاقه من جانب مصر أن أتاح لإسرائيل الفرصة بالادعاء بحقوقها الملاحية وشن حرب وقائية ضد مصر. وكان سحب قوات الأمم المتحدة خطوة أخرى تجاه الحرب , وجاءت قصة الحشود الإسرائيلية على حدود سوريا خطوة أخرى ليلتهب الموقف وصارت الحرب أمرا لا مفر منه.
لا نعرف حتى الآن لماذا لم يضرب جمال عبد الناصر إسرائيل أولا , ولماذا قرر تلقي الضربة الأولى , وبعد ضرب الطيران المصري لماذا لم نحارب بالمشاة والدبابات والمدافع التي في حوزة الجيش على أرض سيناء والاستعانة بطائرات من الدول الصديقة خاصة أن طيارينا كانوا سالمين لم يصبهم ضرر .
أسئلة عديدة حول نكسة 1967 التي ضربت العمق النفسي العربي كله في مقتل وصارت جرحا غائرا لا يشفى . كانت النكسة تدميرا لشرعية ثورة يوليو 1952 وشرعية جمال عبد الناصر وانهيارا للحلم العربي بالوحدة والنصر والتقدم والتنمية واحتلال مكانة في صفوف الكبار .
كانت المؤامرة دولية لكن ذلك لا يمنع وجود تقصير وأخطاء وإهمال واستهتار من الجانب المصري أدى إلى تلك الكارثة . وبعد أيام أعلن عبد الناصر تنحيه ولكن الشعب رفض التنحي وطالبه بإصلاح ما أفسده هو ورفاقه وفي نفس الوقت أعطاه شرعية جديدة تتيح له التخلص من الجيوب الفاسدة داخل النظام .
انتهت الحرب في يونيو وانتهى معها الحلم والأمل والقوة وصارت سماء مصر مفتوحة أمام طائرات العدو تمرح فيها وتضرب ما تشاء . ولكن عبد الناصر انتفض وقرر خوض حرب استنزاف للعدو وإعادة تسليح والجيش وتغيير منهجية التجنيد والتدريب ليقضي الجيش المصري 6 سنوات في حرب استنزاف كبدت العدو الكثير والكثير وأكسبت رجالنا خبرات أفادتهم في معركة العبور وتدمير المانع الترابي وخط بارليف الانتقال إلى الضفة الشرقية وسيناء ولحرب الاستنزاف قصة وطنية عظيمة سجلها التاريخ في صفحة انتصارات العسكرية المصرية .