بطولات شبابية في رفح.. «تسلم الأيد اللي تساعد» (ملف خاص)
بسواعد الشباب.. تجهيز مساعدات «حياة كريمة والتحالف» لأهل غزة
فرق المتطوعين أمام معبر رفح للمساهمة في إيصال المساعدات إلى أهالي غزة
من جديد يسطر الشعب المصرى ملحمة تضامن أخرى مع أهالى غزة، والفلسطينيين عموماً، فى مواجهة مجازر الاحتلال، ما بين رجال أعمال يفتحون مخازن شركاتهم ومصانعهم لاستقبال المساعدات وتجهيزها، ومواطنين بسطاء يتبرعون بشيكارة «طحين أو أرز» وغيرهما من المواد الغذائية، فيما يشمر الشباب عن سواعدهم ويقبلون على التطوع لتجهيز المساعدات وشحنها، ويرابطون فى خيام وسط الصحراء انتظاراً لدخول المساعدات وتسليمها. وتلعب المؤسسات ومنظمات المجتمع المدنى، ومن بينها على سبيل المثال، «بنك الطعام المصرى»، دوراً مهماً كذلك فى تنظيم عملية جمع المساعدات والتواصل مع نظرائهم فى غزة، لمعرفة احتياجاتهم وأولوياتهم بدقة لتلبيتها، والتى تأتى فى مقدمتها المساعدات الطبية، تليها الأغذية ومعها مياه الشرب، ثم الكساء. فيما توظف «الجمعية الخيرية لرعاية الفئات الخاصة بالعريش» مطبخها المعروف بـ«مطبخ الخير»، بالتعاون مع مؤسسات مدنية أخرى، لتجهيز وتوفير آلاف الوجبات للعالقين والمتطوعين وسائقى الشاحنات، فيما خصصت جمعيات أخرى مساكن للعالقين الفلسطينيين الذين دخلوا مصر قبل اندلاع الحرب، ولم يتمكنوا من العودة، بكافة التجهيزات اللازمة لإعاشتهم. يأتى ذلك فيما يؤكد رموز العمل الأهلى الداعم لأهل غزة والقضية الفلسطينية أن المساعدات المقدمة لغزة عن طريق مصر أصبحت منفذ الحياة الوحيد للشعب الفلسطينى، مشيرين إلى الحاجة لزيادة الدعم لتتناسب مع حجم المجازر والكوارث التى يسببها الاحتلال يومياً.
دور تاريخى تقوم به مؤسسات المجتمع الأهلى فى مصر تحت مظلة المبادرة الرئاسية «حياة كريمة» والتحالف الوطنى للعمل الأهلي وجمعية الهلال الأحمر المصري لإغاثة الفلسطينيين، وتكتمل تلك الملحمة ببطولات الشباب المتطوعين وأبناء سيناء ودورهم الكبير في تجهيز تلك المساعدات، لإيصالها إلى الأشقاء الفلسطينيين، لم يشعروا بالإرهاق لحظة واحدة على الرغم من طول مدة الانتظار أمام المعبر، تمهيداً لدخول المساعدات، فى الخيام عاشوا لأكثر من أسبوعين تحملوا كل شىء فى سبيل مهمتهم الإنسانية، تحركهم إنسانيتهم وشعورهم بأن لهم دوراً مهماً فى إيصال المساعدات فى أسرع وقت ممكن، وهو الأمر الذى نجحوا فيه بشكل مبهر كما يقول طه خالد، 19 سنة، متطوع، وأحد سكان الشيخ زويد، الذى قرر دعم الأشقاء الفلسطينيين على الرغم من صغر سنه لرغبته فى تخفيف الضغط عنهم.
منذ أن جاءت القوافل المحملة بالمواد الغذائية والعلاجية وغيرها، بدأت مهمة «طه» ورفاقه فى تفريغ حمولة الشاحنات لأنها كانت تأتى إلى المعبر بدون «بلتات» خشبية، وهنا كانت أولى المهام التى قام بها المتطوعون: «كان فيه معونات جاية من الجهات التابعة للتحالف الوطنى ودى بتدخل عن طريق الهلال الأحمر المصرى، العربيات بتيجى من غير تجهيز، مش على بلتات، ودى مرحلة صعبة لأننا كنا بننزل الحمولة كلها، ونحطها على بلتات خشب ونغلفها بطريقة معينة علشان يكون سهل تفريغها هناك بدون مجهود».
منذ أن وقف «طه» عند المعبر ساهم فى تفريغ حمولة 250 شاحنة، وعلى الرغم من صعوبة تلك المهمة التى شاركه فيها عدد كبير من المتطوعين إلا أنه استمر فى العمل بلا انقطاع لمدة 14 يوماً، وهو على يقين تام بأن ما يقوم به من عمل شاق، هو أقل ما يمكن تقديمه للأشقاء فى محاولة للتخفيف عنهم: «التطوع بالنسبة ليّا حياة، بقالى أكتر من 5 سنين متطوع، وخلال الفترة دى دخلت غزة 3 مرات، ومقرر إنى هفضل متطوع طول عمرى، لأن التطوع أعظم شعور فى الدنيا» ويتابع: «مواقف صعبة كتير مرت عليّا خلال الـ14 يوم اللى قضيتهم فى الصحراء، منها النوم على الأرض، لكن أصعب موقف مر عليّا كان لطفلة فلسطينية مصابة فى المستشفى، قعدت جنبها أبكى أكتر من 3 ساعات، وأقول لنفسى ذنبها إيه». حياة قاسية عاشها «طه» ورفاقه من المتطوعين بعد أن علموا أن هناك ساعات طويلة ستقضيها الشاحنات انتظاراً لدخول غزة، وعلى الرغم من صعوبة العيش فى خيام لم يعتد عليها الفتى إلا أنه قرر البقاء حتى يكون أول المشاركين فى تفريغ حمولة السيارات وإعادة تعبئة ما بها من معونات: «كنا بنبات وسط الصحراء وبنبكى من جوانا علشان حاسين إننا مش قادرين نعمل لهم حاجة، لكن اللى كان مصبرنا هو إننا قاعدين على الأرض زيهم، وجوانا يقين إن ربنا مش هيضيع تعبنا وهنقدر نكمل دورنا على أكمل وجه حتى لو فضلنا قدام المعبر شهرين، كان عندنا طاقة تحمل عظيمة».
يحكى محمد على، متطوع، من شمال سيناء، عن يوميات فريق المتطوعين المرابطين أمام المعبر، ويقول إنه لم يكن هناك سبيل للراحة، فالعمل كان مستمراً ليل نهار، لأن تفريغ الشاحنات كان يحتاج وقتاً طويلاً: «كنا بنصحى 6 الصبح نروح على العربيات نفرغ الحمولة، وفريق تانى يجيب بلتات ونعمل إعادة تعبئة مرة تانية للحمولة، نفضل على الحال ده لحد 8 بالليل وبعدها نرتاح بالتبادل 4 ساعات ونرجع نشتغل تانى لحد الساعة 4 الفجر، وننام ساعتين ونرجع تانى نكمل» كله يهون لخدمة أشقائنا.
حضور الشباب كان من كل الأعمار، مهندسين وأطباء، الجميع يريدون أن يقدموا شيئاً لغزة من خلال العمل على تجهيز سيارات الإغاثة وتحميل المعونات، بحسب «على»، الذى كان من بين أدواره أن يصطحب مجموعات الشباب ويتحركون للعمل لساعات طويلة على الساحة المقابلة لبوابة معبر رفح، حيث هناك كانت تصل شاحنات المساعدات بدون ترتيب، ليقوم هو ورفاقه بتفريغها ثم تجهيزها ووضعها على ألواح خشبية، بحسب نوعها وإعادة تغليفها وربطها ونقلها على ظهر الشاحنة المخصصة لها لتصبح جاهزة للنقل لقطاع غزة.
المتطوعون لا يبحثون عن أى مجد فهم فخورون بأنهم يشاركون فى تجهيز المعونات للأشقاء، فالهدف لم يكن شخصياً وإنما إنسانى، فلا بد أن تصل المساعدات كما هى دون أن ينقص منها شىء، للوصول لبوابة معبر رفح، من بين الشباب الذين تطوعوا لإيصال المساعدات، أحمد ناجى، من شمال سيناء، ومعه عدد آخر من الشباب المشاركين مع القافلة، كانت مهمتهم تفريغ حمولة السيارات ثم وضعها على حاملات خشبية لتفريغها سريعاً من خلال الأوناش عند دخولها لقطاع غزة، لعدم إهدار الوقت الذى يُفتح فيه المعبر، مع بداية الحديث عن وصول سيارات المساعدات إلى معبر رفح قرر «ناجى» الوقوف أمام المعبر فى انتظار الشاحنات لتفريغها: «يوم 7 أكتوبر شُفنا اللى حصل، كنا عارفين إن القوافل جاية فى طريقها للدخول علشان كده بدأنا نجهز نفسنا لاستقبالها، وده نابع من دورنا الوطنى الأصيل فى دعم القضية على مدار التاريخ».
منذ 13 عاماً يشارك «ناجى» فى العمل التطوعى، ويرى أن التطوع من أكثر الأمور الجيدة التى حدثت له، كونه ساهم فى تشكيل شخصيته بشكل كبير: «متطوع من وأنا عندى 14 سنة، كنت مع مجموعة شباب الفيروز، بنعمل مبادرات مجتمعية فى رمضان بنساعد فى الإفطار وبنعمل معارض لبس ومواد غذائية».
على قلب رجل واحد كان الجميع يعمل فى سباق مع الزمن لتفريغ أطنان المواد الغذائية وغيرها وإعادة تعبئتها مرة أخرى، حتى إذا تم السماح بالعبور تكون تلك السيارات جاهزة للدخول مباشرة: «كنا بنفرغ الحمولة على خشب وبعد كده تترص وتتغلف وتتحمل تانى على العربيات، والهلال الأحمر كان بيخزن فى المزرعة وفى مخازن الصحة ومخازن الحاج محمد درغام، وكان فيه ناس كتير من المجتمع السيناوى بيوفروا لينا بلتات خشب وبدأنا ننزل كل حاجة فى العربيات، فضلنا على الحال ده لحد ما جاءت تعليمات بتحريك العربيات ناحية المعبر».
تجهيز السيارات كان على أمل الدخول المباشر ولكن مع تأزم الأمور أطلق التحالف الوطنى حملة «مرابطون حتى الإغاثة» من الثلاثاء الذى تلا الأحداث حتى السبت: «فضلنا مرابطين 7 أيام وبعد فتح المعبر كنا موجودين برضه، وكلنا تحت قيادة التحالف الوطنى، اللى وفر لينا تجهيزات المعيشة كاملة، وبنك الطعام كان بيوفر لينا الأكل ومعاه مصر الخير وحياة كريمة وكمان شركة أبناء سيناء».