هذه مقولة العسكري البسماركي كلاوزفيتز التي صارت نحتا في جدار الاستراتيجية منذ ما يقرب من مائتي عام . أطلق كلاوزفيتز كتابه " في الحرب " أو في ترجمة أخرى " عن الحرب " .. في أوائل اقرن التاسع عشر ونَظر فيه للحرب وكانت مقولته السابقة من أهم ما جاء فيه.
تنشب الحرب لكي يفرض طرف إرادته على طرف آخر , سواء كان هذا الطرف أو ذاك دولة أو جماعة . تهدف الحرب في النهاية إلى تسوية الصراع بما يتيح الفرصة للسياسة للتدخل والتفاوض لإنهاء الصراع بعدما يكون كل طرف قد أدرك مدى إمكاناته أمام خصمه .في حرب إسرائيل على غزة نجد هذه المعادلة أو المبدأ غير قائم , فبعد طوفان الأقصى شعر قادة إسرائيل بالإهانة لما حدث والنجاح غير العادي للعملية العسكرية وأسر عدد كبير من العسكريين والمدنيين ووجود صعوبة في اجتياح غزة سريعا أو بصورة شاملة , فاستخدمت إسرائيل تكتيك الأرض المحروقة وقررت تدمير غزة شعبا وبنية تحتية ووجهت طائراتها ودباباتها وقصفت المستشفيات والمدارس ولم تراعي أي قواعد للقانون الدولي أو القانون الدولي الإنساني ورغم عدم امتلاك المقاومة الفلسطينية نفس النوعية أو القدر من السلاح الإسرائيلي المدعوم من أمريكا وقواتها وبوارجها إلا أن إسرائيل لم تتوقف عن التدمير في كل أنحاء غزة مستهدفة تحقيق الترويع التام للمواطنين الفلسطينيين بهدف إثارة خوفهم من الموت ودفعهم للاتجاه جنوبا للاستيلاء على أرضهم التي لن يعود لها صاحب إذا نزحوا.
لو أن إسرائيل تمارس الحرب مستهدفة إتاحة الفرصة للسياسة للتدخل وتحقيق السلام في النهاية لما مارست عدوانها المتكرر يوميا على المدنيين العزل ولكانت رأت أن المقاومة الصامدة على استعداد للتفاوض لإيجاد حل نهائي للقضية الفلسطينية , لكن تعنت الحكومة الإسرائيلية التي تعاني من مأزق سياسي واجتماعي كبير لم يسبق أن تعرضت له تكابر وتعاند حتى تنقذ نفسها من الحساب بعد ذلك والمحاكمة وحتى لا تتهم بالتقصير في الانتقام من المقاومة الفلسطينية.
إن الموقف الإسرائيلي لا يتطابق مع فلسفة الحرب التي بلورها كلاوزفيتز بأنها السياسة بطرق أخرى وربما تكون هذه الطرق عنيفة لكنها في النهاية لابد أن تؤدي إلى السلام لكل الأطراف . وهذه الصورة من العنف لا تحدث إلا من عدو يسعى بكل قوة لإشباع شهوة الانتقام وتبييض وجهه أمام شعبه وأمام العالم الذي كان يرى في الجيش الإسرائيلي قوة واحترافا وجاهزية وهو ما أظهرت المقاومة الفلسطينية عكسه.
لقد صارت إسرائيل في "هرتلة" نتيجة ما حدث في الطوفان وهي تحاول بكل السبل أن تعيد الثقة لشعبها ولجيشها حتى لو كان الثمن انتهاك كل القوانين والأعراف الحربية في ظل غياب الأمم المتحدة ومجلس الأمن الذي لا يتخذ قراراته إلا ضد الشعوب الضعيفة.