من أهم نتائج حرب غزة أنها خلقت جيلاً فلسطينياً جسوراً لا يخاف إسرائيل ولا يعانى من فوبيا قوات الاحتلال والجيوش والأسلحة. جيلاً ولد وعاش ويموت بين الأنقاض وأنهار الدماء التى تسببها غارات وقذائف الاحتلال.
جيلاً ولد وعاش يحمل الحجارة ويضرب بها الدبابات وكبر ليحمل الكلاشينكوف والآر بى جى ويطير بدون طائرة وينقض على العدو فى مخابئه.
إن الاحتلال الصهيونى وصل إلى درجة من العناد حتى ما يخص مصالحه، فالعالم يشاهد ويتعجب من غباء الصهاينة فى التعامل مع القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطينى، أعماهم الطمع والرغبة المتوحشة فى اغتصاب باقى أرض فلسطين عن إدراك حقائق الأمور والواقع الذى تغير على أرض فلسطين، والذى يؤكد أن هذا الشعب لا يموت وأن أجياله التى لم تر أو تعيش فى أرض فلسطين الكاملة والقديمة هى نفسها التى تعطى نموذجاً للمقاومة، وهى التى شبت على كراهية العدو، أعماهم عن إدراك أن مصر والأشقاء العرب لن يتركوا إخوانهم فى فلسطين لقمة سائغة للاحتلال وقواه الغاشمة، وأن مصر يبدأ أمنها القومى من فلسطين وهى مسألة لا نقاش فيها، وبالتالى هى طرف فى أى معادلة تخص فلسطين، وهى قادرة بقوتها ومكانتها أن تضع القواعد والأطر التى تحكم المنطقة.وحتى من داخل الحكومة الإسرائيلية نفسها يخرج وزراء يتفوهون بكل ما هو عنصرى وبكل ما يؤكد اضطرابهم النفسى بعد «العلقة» التى أخذوها من المقاومة الفلسطينية الجسورون رجالها.
دعا أحدهم منذ فترة إلى ضرب قطاع غزة بقنبلة ذرية حتى ترتاح الدولة الصهيونية من وجع الدماغ بسبب غزة والمقاومة، وتخليص الصهاينة من الخوف والفزع المتواصل على مدى 24 ساعة يومياً.
لم يدرك هذا الأرعن أن العلاج لخوفهم ليس بضرب العدو وإنما بعدم اغتصاب حقوقه وعدم الطمع فى أرضه والتخلص من غريزة السيطرة على الآخرين.
إن حكام إسرائيل جاء غالبيتهم من دول أوروبا أى إنهم بيض البشرة ولا ينتمون إلى منطقتنا حتى لو تكلموا بلغة العبرانيين القدامى، لذلك يتعاملون بعنصرية مع العرب حتى إن وزير دفاعهم الفاشل لم يجد ما يرد به على المقاومة سوى وصف الشعب الفلسطينى بأنهم حيوانات بشرية!! ولا أجد وصفاً لدىّ أصفه به بعد كمية القتل والدمار التى ارتكبها المحتلون الغاصبون لمجرد الغل والانتقام.
إن الحيوانات لا تقتل بدون مبرر، إنما تحركها غريزتها لإشباع حاجتها من الطعام وليس لمجرد القتل، لكن الكيان الصهيونى دمر غزة لمجرد التدمير، ولأنه لم يتمكن من اجتياح القطاع أو اكتشاف الأنفاق أو تخليص الأسرى من خلال القوات الخاصة.
مرة أخرى يطالب وزيرهم الأرعن معتاد البلطجة بقتل المعتقلين الفلسطينيين!! ربما لا يدرك أن للحروب وأن للاعتقال قواعد وقوانين. هذه الآراء تعبر عن فكر الاحتلال ونواياه الداخلية التى تنطق بحتمية «قتل» الأعداء من العرب. لغتهم القتل وسفك الدماء وبذلك هم يعطون المبرر للآخر لكى يمارس معهم نفس الأسلوب.
إن جسارة المقاومة فى غزة وقدرتها على التعامل مع جيوستراتيجية القطاع وما يسمى الغلاف المحيط به كانت نموذجاً لدراسة العدو والتعامل معه بقدر أعلى من قدره وقدراته، وأعطت درساً فى حروب الفدائيين والمقاومين سيبقى طويلاً داخل المعاهد العسكرية لتدريسه فى إطار حروب الجماعات الصغيرة فى مواجهة الجيوش النظامية.
كسرت المقاومة حاجز الخوف وحاجز الرهبة من إسرائيل وادعاءاتها بأنها القوة الأكبر والأعظم فى المنطقة، وزرعت الخوف داخل إسرائيل والصهاينة وخلقت جيلاً سيكون له شأن مؤثر فى المستقبل القريب.