تدفع مجموعة من العوامل نحو استمرارية السياسة الخارجية المصرية، وهى التى يمكن تسميتها بـ«الأسس العامة» التى تحكم السياسة الخارجية المصرية باعتبار أن السياسة الخارجية هى امتداد للسياسة الداخلية، فالهدف النهائى من ممارسة النشاط الخارجى هو خدمة أهداف وقضايا الداخل، أو بصيغة أخرى، فإن التحرك الخارجى يتم توظيفه لخدمة أهداف التنمية والتطوير والاستقرار وتأمين المصالح القومية الحيوية.
بناء دوائر جديدة للسياسة الخارجية فى مناطق النفوذ الإقليمى والدولى يمكن تحديدها فيما يلى:
الدائرة الأولى: منطقة الشرق الأوسط، وهى دائرة مهمة نجحت مصر فى التعامل معها خلال الفترة الماضية وبنت حضوراً سياسياً واستراتيجياً كبيراً يحسب للدولة المصرية.
الدائرة الثانية: البحر الأحمر، ويمكن للدولة المصرية التحرك فى هذه الدائرة عبر فرض استراتيجية متعددة المحاور ونقاط الارتكاز.
الدائرة الثالثة: الاتجاه شرقاً، وهى دائرة مهمة لسياسة مصر الخارجية ولا تقتصر على العلاقات المصرية مع كل من الهند والصين، بل ودول جمهوريات آسيا الوسطى ومناطق التماس المجاورة.
الدائرة الرابعة: تجديد حركة عدم الانحياز والعمل على نطاقات أوسع وامتداد استراتيجى شامل، وهو ما يمكن أن يعيد الحضور الدولى لمصر فى نطاقات واسعة ومناطق كبيرة، خاصة أن مصر لها حضورها الكبير فى علاقاتها الخارجية.
الدائرة الخامسة: دائرة التحالفات الكبرى والمتوسطة للدول الكبرى ومنها ما هو قائم ويمتد فى نطاقات محددة سواء التى تقيمها كل من الولايات المتحدة أو روسيا، وبعضها مؤثر ويقوم على امتدادات الأقاليم الكبرى وإن كان يحتاج إلى تناول، ومنها تحالف الولايات المتحدة وبريطانيا والإمارات والهند.
الدائرة الأفريقية: كانت مصر تشعر دائماً بأنها دولة أفريقية مثلما هى دولة عربية وإسلامية، بل إن الانتماء الأفريقى لمصر قد تقدم فى بعض الأحوال على بعض الانتماءات الأخرى.
الدائرة الشرق أوسطية: وهى الدائرة الإقليمية لحل الصراع الإقليمى، وبدء صفحة جديدة فى التعامل بين إسرائيل والدول المجاورة، بعد تسوية المشكلات الخلافية، وليس بإعادة صياغة الوضع الإقليمى.
الدائرة النيلية: وتتمثل فيما يمكن تسميته «النظام الإقليمى المائى لحوض النيل» لإدارة العلاقات الهيدروبوليتيكية فى حوض النيل، وللحفاظ على المصالح المائية المصرية مع دول الحوض فى إطار من تفعيل التعاون.
الخلاصات الأخيرة: نحن فى مرحلة حاسمة من عمر النظام الدولى، وكل الأطراف تعمل على أجندة محددة ومباشرة وفق مصالحها المحددة. إن تأثير ما يجرى على الشرق الأوسط ومصر سيكون مطروحاً لجملة من الاعتبارات السياسية والاستراتيجية المهمة؛ أولها: إن الشرق الأوسط كمنطقة استراتيجية ستمثل بالفعل أحد البدائل لسوق النفط والغاز، وبعض دوله مرشحة بقوة للعب دور فى إدارة وتوجيه مسارات الأزمة، ثانيها: مصر لديها حساباتها وتقييماتها الكبرى فى التحرك، ولا يرتبط ذلك بتحالفات راسخة أو غير مستقرة، خاصة أن مصر لديها إمكانيات هائلة فى سوق الغاز وطرحت اسمها فى إطار البحث عن البدائل التى يمكن أن تطرح نفسها فى الأسواق العالمية، ثالثها: أنه فى أى مقاربة محتملة لمصر مع الحلفاء سواء «واشنطن» أو «موسكو»، وكذلك مع دول «ناتو»، ستبنى على مرجعيات حقيقية، فمصر أمامها فرصة جيدة لتحقيق أقصى درجات من التوافقات المهمة فى إطار علاقاتها مع كل الأطراف.
ولا شك أن النظام الدولى الراهن فى حاجة إلى إصلاح كامل نتيجة لممارسات الولايات المتحدة فى العالم، وليس فقط فى الشرق الأوسط، فقد انحازت الولايات المتحدة لإسرائيل وبنت شراكات غير متكافئة مع بعض الدول الشرق أوسطية، ما قوض أركان الاستقرار فى المنطقة بصورة لافتة، وهو ما يتطلب إعادة نظر فيما يجرى من تحولات حقيقية ستكون لها تأثيرات ممتدة وعميقة فى بنية النظام الدولى الراهن