يركز الإعلام المعادي دائما على قضية واحدة وهي إنهاك الدولة، ويعتبر الهدف الرئيسي له هو كيفية إفساد المجال العام، كواحدة من أهم محاور حروب الجيل الرابع، من التعتيم الكامل على كل الإنجازات إلى التشدد الكبير في صناعة السلبيات والتحريض بشكل متدفق على الأنظمة، وهكذا دواليك، والضحية في هذا كله هي المواطن.
في أبجديات العمل الإعلامي محاور واضحة وهي السياسة الإعلامية والعملية الإعلامية، فأما الأولى فمعروفة لنا، وأما العملية الإعلامية للإعلام المعادي فأهم ما تحويه هو أن الصور التلفزيونية في لا تقدم الحیاة كما هي، بل تقدم ثقافة الخوف والجوع والمشكلات والأزمات التي لا توجد لها حلول، وهذا لا يتم سوى باستغلال عاطفة الناس لبث صور كاذبة، وخطاب إعلامي يقوم بتصدير تصور ساذج حول واقعة معينة، أو تضخيم سلبية وتهوين إيجابيات من أجل إثارة الجماهير ومحاولة تثويرها.
تزعم قنوات الإعلام المعادي أنّها مستقلة ولا تعبر عن سياسة الجماعة إلا أنّ الحقائق تنفي هذا الادعاء، والتضليل الذي تسوقه في خطابها الإعلامي لصناعة خطاب الكراهية والحقد واضح للعيان.
من أجل ما سبق يقوم الإعلام المعادي بتزويد ذهنية المتلقي بشحنات متدفقة ومتوالية حوول قضية واحدة من زوايا مختلفة، من أجل تحقيق الهدف الأسمى وهو إفراز جيل يتجاوز فكرة الانتماء للوطن.
ولن ينجح ما سبق سوى باختراع الحدث، حتى لو تم ذلك بتقارير مكذوبة، طالما ذلك يخدم التوجهات، على هذا فإنّ الإحاطة بالخبر من كافة جوانبه، والذهاب نحو مناقشة كافة التفاصيل المتعلقة به، بشكل متدفق ومتوالي، والتركيز طوال الأسبوع على قضية واحدة هو شكل لخطاب الإعلام المعادي، الذي حتى وإن انتقل إلى تغطية بعض الأحداث الأخرى فإنه يدفع به في نفس الاتجاه المتفق عليه، وحيث لم يكن هناك (حدث) يمكن تمطيطه والنفخ به، والقيام بعملية (الإشباع الخبري)، باللغة التحريضية والأكاذيب، وإن لم يكن هناك حدث بالمرة جرى اختراعه، ومن ثم إشباعه بذات الأسلوب، والصراخ والصراخ على الحدث المكذوب، عل أحداً يصدق.
ويركز الإعلام المعادي على قضايا محددة لن يخرج عنها، وهي إفشال النظام بأي وضع، وإثارة الجمهور تجاه تلك القضايا المنتقاة، وإتاحة المجال للمشاهدين للمشاركة والتعليق عبر مواقع التواصل؛ أي يصبح المواطن العادي محللاً سياسياً من نوع ما، محتكماً في تحليله إلى دائرة ما تم عرضه عليه، وليس دائرة الحدث ومحيطه الحقيقي، بالتالي فإنّ إتاحة "منبر لمن لا منبر له"، ليست سوى تصدير لتصور حول واقعة معينة، يراد من خلالها إثارة الجمهور ودفعه ناحية الفوضى.
ويستهدف الإعلام المعادي عدّة وظائف في إطار العمليات النفسية، وهي تتكامل مع وظائف الوسائل الإعلامية، مثل الترهيب والترغيب، وإثارة الفتن الطائفية والمذهبية، من اجل تقويض المجتمع من الداخل، كما يستهدف الاستقطاب والتجنيد لعناصر مستجدة، وخلق ما يطلقون عليه الربط العام مع الجماهير والمواطنين.
لكن يعتبر أهم هدف للإعلام المعادي هو تعميق التناقض، خاصة أنه يتركز بالأساس داخل الدول ذات التنوع المجتمعي مثل مصر، فهم حريصون كل الحرص على نشر الأخبار والآراء والأفكار الانعزالية الرافضة للسلام والأمن المجتمعي.
ويمكن تصنيف تلك الأفكار والرسائل التي يروجونها من خلال وسائلهم الإعلامية الحالية إلى عدد من العناوين الرئيسة التي تندرج تحتها العديد من الشواهد والأمثلة وهي تخوين المخالفين وإسقاط شرعيتهم، وادعاء المظلومية، والاحتفاء بالتقارير الصحفية والاستخباراتية التي تتحدث عن احتمالية عودتهم للحياة السياسية، وتقديم سردية الإخوان ورؤيتهم في القضايا الإقليمية والدولية، والتحريض على العنف وبثّ خطاب الكراهية والتكفير.
ورغم كل جهود الإعلام المعادي في تثوير الجماهير وتفتيت الوطن، رغم ملايين الدولارات التي أنفقت عليه، إلا أنه نجح في أشياء محددة، وهي: مأسسة التطرف، أي تأسيس بيئة مناسبة ومشجعة على إقامة تكتلات وتجمعات تشترك في أفكارها وقناعاتها، يتطور ذلك التوافق الفكري والاتساق في الآراء إلى حالة من الارتباط النفسي والاستقواء المتبادل، ما يحفز بدوره على مأسسة تلك الروابط وتحويلها من مجرد تجمع افتراضي، إلى كيانات متطرفة.
ومن أهم السلبيات التي نجح فيها أيضاً هي تشجع ليس فقط على ارتباط وتقارب الأفراد ذوي الأفكار المتطرفة أو ذوي الاستعداد المُسبق لتقبلها والإيمان بها، وينسحب هذا أيضًا على المجموعات، أي تنطبق نفس فكرة التئام وانجذاب المتشابهين كل للآخر على المجموعات والكيانات، فتصير فيما بينها علاقة تفاعل إيجابي قابلة للتطور، أي الكيانات المتطرفة.