«القراءة مثل التنفس.. إنها وظيفة حيوية أساسية» مقولة «ألبرتو مانجويل» الكاتب والمترجم الأرجنتينى، الذى أثرى المكتبة العالمية بكتب ترصد تاريخ ويوميات القراءة. صارت المقولة، دون اتفاق مسبق، نهجاً لكثير من الأمهات والآباء الذين يحاولون غرس مفهوم القراءة فى أطفالهم.
وفى سبيل رَىِّ نبتة القراءة تسعى الأسر إلى البحث عن كتب مسلية للأطفال تقدم محتوى جيداً، وفى نفس الوقت تُسعد الطفل برسومات جذابة. وفى رحلة البحث عن قصص للأطفال، كانت العقبة الأكبر التى تواجهنى أحياناً هى الأسعار الخرافية لقصة فى الغالب سوف تتم قراءتها مرة واحدة أو مرتين على الأكثر، وأصبح السؤال الملح: ما هو الحل؟
فى البداية كانت «قصص ميكى» هى الحل بسبب أسعارها البسيطة ورسوماتها الجذابة، ولكن بعد فترة بدأت تظهر تلك المشكلة وهى أنها غير كافية لغرس قيم ومفاهيم متعلقة بالمجتمع الذى يعيش فيه الطفل، كانت رحلة البحث بين إصدارات دور النشر المصرية والمكتبات شيّقة وجميلة، فقد انبهرتُ بكمّ الكتب المقدمة للأطفال من قصص وحكايات أبدع فيها مؤلفون شباب مصريون إلى جانب كبار الكُتاب بالطبع، فهم يحاولون رسم خطوط التطور الذى يشهده مجتمعنا وعالمنا بخيوط من حرير بكلماتهم، فهى ناعمة تدخل بسرعة إلى قلب الطفل ووجدانه، ولكنها أيضاً قوية فى المعانى والقيم التى تقدمها، أما الرسومات فى تلك الحكايات فكأننا دخلنا إلى معرض فنى مبهر لا أود الخروج منه مطلقاً، رغم كل تلك المميزات لم أستطع الشراء، بل توقفت عند حد التصفح و«الفرجة»، والسبب الأسعار التى تصل إلى 40 و50 جنيهاً وأحياناً 100 جنيه للقصة القصيرة، ورغم انتظارى لمعرض القاهرة الدولى الكتاب حتى أحصل على تخفيضات مناسبة، إلا إنها لم تكن بالشكل المرجو.
وكان الإنقاذ الحقيقى بالنسبة لى دائماً وأبداً هو مشروع «مكتبة الأسرة» التابع للهيئة المصرية العامة للكتاب، ومهما وصفت مشاعر خيبة الأمل والقلق على وجه طفلى، بعد أن طُفنا بين جنبات عدد لا بأس به من دور النشر المخصصة للأطفال وخروجنا بعدد قليل جداً من القصص بسبب الأسعار، ثم تحول تلك المشاعر تماماً إلى النقيض من الفرح والراحة عندما دخلنا جناح الهيئة العامة للكتاب وبدأنا الاختيار، بل وننتقى دون خوف من الأسعار، حيث الحكايا المتنوعة بين الخيال والتعليم والأدب والثقافة، مع رسوم أنيقة وأغلفة جذابة وطبعة راقية بأسعار تناسب ميزانية الأسر المصرية، بل إننى وجدت قصة للكاتب الكبير «مكاوى سعيد» موجهة للأطفال بسعر لا يتجاوز الـ10 جنيهات، وكانت «دار المعارف» هى المنقذ التالى لنا بكتب وقصص مناسبة معتمدة على تبسيط الأدب العالمى والعلوم الثقيلة.
ويبقى هنا السؤال: لماذا لا تسعى دور النشر عامة والموجهة للأطفال بشكل خاص لأن تراعى تدرُّج الطبقات الاجتماعية فى المجتمع فيما تقدمه من إصدارات؟ أعرف بحكم اطلاعى على المشهد الثقافى أن هناك ارتفاعاً كبيراً فى أسعار الورق ومستلزمات الطباعة عالمياً، وهو ما دفع دور النشر إلى رفع الأسعار اضطراراً، ولكن بعيداً عن أن تأليف ونشر الكتب ليس فقط صناعة تستهدف الربح بل هو امتداد ثقافى واجتماعى للدولة، فهناك حلول يمكن تنفيذها تجعل كل الأطراف فى معادلة القراءة مستفيدة، أقربها نشر عدة طبعات من نفس القصة ولكن بورق خامته أقل فى الجودة، وهو ما يعود بالنفع المضاعف على دور النشر فى الوصول إلى طبقات اجتماعية مختلفة وليس فئة محددة فقط.
فى النهاية قصص الأطفال ليست مجرد حكايا جميلة نرويها على أطفالنا لمساعدتهم على الاستغراق فى النوم، بل هى صناعة عقول وتشييدها بما يجعل هؤلاء الأطفال بناة المستقبل وتغييره إلى الأفضل.