ظهرت مؤخراً دعاوى لانفصال ولاية تكساس عن الولايات المتحدة الأمريكية، وسمى الموضوع «تكسيت» على وزن «بريكست»، وهى العملية الشهيرة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى. والتكسيت حركة عمرها نحو ثلاثة عقود، تزعمها «دانيل ميلر» منتصف تسعينات القرن الماضى. الانفصال لن يحدث، ولا يمكن له أن يحدث، هى كلها تهديدات إعلامية تحدث عندما تتغزل الحكومة الفيدرالية على الولايات ودساتيرها.
يبدو أن النهاية الدرامية للاتحاد السوفيتى، ومحاولات العودة الميلودرامية لروسيا الاتحادية لبعث الاتحاد الروسى، كلها أحداث ألهبت خيال الكثيرين فيما يخص أمريكا نفسها. دولة فيدرالية تتكون من خمسين ولاية (دولة). هل يمكن أن تتفكك هى ذاتها؟
يشير استطلاع للرأى، أجرته وكالة رويترز مع مؤسسة أبسوس، منذ سنوات، إلى أن قرابة ربع سكان الولايات المتحدة الأمريكية يؤيدون فكرة الانفصال بولاياتهم عن الاتحاد الأمريكى. وبين هذا الاستطلاع أن الجمهوريين وسكان الولايات الزراعية أكثر تقبلاً للفكرة.
زاد الاستقطاب فى أمريكا كثيراً: خرائط أمريكية إذا وُضعت فوق بعضها ستتطابق: أولها خريطة التصويت والولاء الحزبى (ولايات الأطراف ديمقراطية، وولايات الوسط جمهورية). والثانية لجودة التعليم (أطراف متقدمة ووسط أقل). والثالثة خاصة بالسمنة المفرطة، وهى تزيد فى الوسط وتقل فى الأطراف. والخلاصة أن زيادة مستوى التعليم ترفع معها فكرة قبول الآخر والإيمان بإمكانية الحراك الاجتماعى الذى ترعاه الدولة، كما تزيد نسبة ممارسة الرياضة والحياة الأكثر صحية.
أواخر القرن الماضى، قدم الروسى «إيجور بانارى» طرحاً رومانسياً مرسلاً يفيد بأن الأزمات الاقتصادية والأخلاقية ستقود الولايات المتحدة إلى ما يشبه الحرب الأهلية بحلول عام 2010، وهو ما لم يحدث بالطبع. ويبدو أن كل ذلك هو من قبيل «التفكير بالتمنى»، وهو الاعتقاد بأن ما تريده أن يحدث سوف يحدث بالفعل، بغض النظر عن أى اعتبارات.
بالمناسبة، البعض يرى أن هناك أحداثاً قد تسبب حرباً أهلية بالفعل، خصوصاً مع انتشار السلاح فى أيدى الناس، هذه الأحداث مثل منع «دونالد ترامب» من الترشح فى الانتخابات القادمة مثلاً، خصوصاً مع انتشار الأسلحة لا سيماً فى ولايات الجنوب الغربى.
على ذكر السلاح، من المهم أن نعرف أن ولاية تكساس تلك لديها شرطة مدن وشرطة مقاطعات، فضلاً عما يقرب من 270 ميليشيا عسكرية مسجلة رسمياً، وكلها تملك الأسلحة الثقيلة ومتوسطة الثقل والخفيفة، وطائرات الهليكوبتر (لكن ينقصها الطائرات النفاثة والمقاتلات).
عالم الاجتماع النرويجى «يوهان غالتونغ» المختص بعلوم السلام تنبأ، منذ عدة أعوام، بانحسار دور الولايات المتحدة كقوة عالمية، و«جورباتشوف»، قائد انهيار الاتحاد السوفيتى، تكهن منذ عدة أعوام بتفكك أمريكا ومواجهة مصير بلاده نفسه. أما الفيلسوف الفرنسى «إيمانويل تود» فكان من أوائل من تنبأوا بانهيار الاتحاد السوفيتى، ثم تنبأ بالمصير ذاته لأمريكا عبر كتابه «ما بعد الإمبراطورية: انهيار النظام الأمريكى»، يقول فيه إن ثمة كساداً عظيماً سيحدث مبتلعاً معه الدولة. وهو ما يتقاطع مع رؤية «جيم ريكاردز»، مستشار التهديد المالى فى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، والذى كان دقيقاً وقتها، وحدد منتصف مارس 2015، موعداً للانهيار الاقتصادى الذى سيطيح بأمريكا. كذب المنجمون ولو صدقوا، وكذلك خبراء التهديد.
المؤلفة الأمريكية «جويل غارو» أصدرت كتاباً بعنوان «الأمم التسع لأمريكا الشمالية»، الذى يطرح فكرة تفكك أمريكا إلى تسع دول، ولكن المؤلفة اعتذرت عن هذا الطرح بعد ذلك، وقالت إنها كانت تهدف إلى الربح وإحداث فرقعة إعلامية فحسب. وقد انعكست هذه المخاوف كلها على هوليوود، وتجسد ذلك فى أفلام منها فيلم «الغرب المتوحش» للممثل الشهير «ويل سميث»، الذى كان يحارب فيه لمنع تفكك الاتحاد الأمريكى.
التفكك أصبح هو «الحلم الأمريكى» فى نفوس كارهيها، وهذا لن يحدث لأن أمريكا مفككة بالفعل إلى خمسين دولة تجمعها مصلحة مشتركة تحت علم واحد!