ربما يتخوف البعض من نقد الشخصية المصرية، وربما نبالغ فى وصف أنفسنا باستخدام صيغ المبالغة النحوية دون أن نواجه أنفسنا بحقيقة ما يحدث لنا، كشفت ممارسات السنوات الأربع الماضية، والحقيقة أنها نتيجة لسنوات العبث التى سبقتها ولو ظللنا ندفن رؤوسنا فى الرمال سيتفاقم هذا التشوه الغريب عن شخصية مصر وربما تصبح صفات أساسية فى المستقبل. فقد كان تعاطى المخدرات مثلاً وكما تربينا خطأ فادحاً وتدميراً للنفس، وكان المجتمع ينبذ مدمن المخدرات، وما زال عدد كبير من المواطنين على نفس هذه المبادئ والقيم إلا أنه لا يمكن إنكار أن عدداً كبيراً آخر من المصريين أصبح يتعامل مع الأمر بشكل طبيعى، وأن تعاطى المخدرات شىء عادى.. ولمَ لا؟ فالأفلام الهابطة الغزيرة التى هبطت علينا فى سنوات الاضمحلال الأخيرة كلها تتعامل مع الأمر بشكل عادى، ولا أبالغ إن قلت إنها تشجع الأجيال الجديدة على تناول المخدرات، والأخطر أن إعلانات هذه الأفلام تختار بعض المشاهد لتعاطى المخدرات باعتبار أن المدمن يظهر بشكل كوميدى دائماً فهو غائب العقل ولا يحاسَب على كلامه.
وحينما صادفت هذا الموقف الأسبوع الماضى، وتحدثت مع بعض متعاطى المخدرات فوجئت أن الأمر عندهم عادى ومبرر، أو هكذا يضحكون على أنفسهم، فمنهم من يتصور أن قدرته على العمل مرتبطة بهذا الأمر، ومنهم من يتصور أن قدرته الجنسية أيضاً مرتبطة بالمخدرات، ولم يعد فى أفكارهم أن الأمر محرم شرعاً أولاً، أو أنه مجرم قانوناً ثانياً، أو أنه منبوذ اجتماعياً ثالثاً، فالمهم بالنسبة له أن يتعاطى قرص ترامادول أو قطعة حشيش ظناً أن هذا يعينه على الشقى، والنتيجة أننا أصبحنا أمام مجتمع مختل القيم، فإذا وصل المتعاطى لمرحله الإدمان، لا يمكن لأى قوة أن تمنعه عن المخدرات، بل على العكس كلما اعتاد الأمر أصبح فى حاجة للمزيد سواء من النوع الذى يتعاطاه أو من غيره، وسيقتطع من دخله جزءاً أكبر «لمزاجه» وتضيع أسرته معه، وبالقطع سيقصر فى عمله، ولو كان أمامه فرصة للمال الحرام سيغتنمها، فهو بلا عقل يمكنه من التفكير، وفى السنوات الماضية كان يتظاهر لرفع راتبه حتى يتمكن من دعم مزاجه.
وعاده ما يخرج الأبناء من هذا المناخ مشبعين بأفكار أكثر خطأ، فمنبع القيم بالنسبة لهم هو الأب، فإذا كانت شخصية الأب مشوهة، ففرص تشوه الأبناء تزداد كثيراً جداً، وحينما كنا ندرس علوم الأمن القومى، كنا نتعلم أن الصحة البدنية والنفسية للمواطنين هى من أهم أسس الأمن القومى، والنسبة العامة لمتعاطى المخدرات فى المجتمع المصرى تتراوح بين 13% و14%، أى أن لدينا 14% من البالغين فى هذا المجتمع يعتبرون خصماً من قوة هذا المجتمع، ويمثلون خطراً حقيقياً على أمنه القومى، وبالتالى فإن الحديث عن مواجهة انتشار ظاهرة تعاطى المخدرات أمر حتمى إذا كنا نهتم بما يسمى الأمن القومى للدولة.
وهو خطر لا يقل عن خطر الإرهاب، فالإرهاب يقتل نفساً، ولكن الإدمان أشبه بسرطان ينتشر فى جسد الأمة ولا فرق بين مجتمعات شعبية وأخرى غنية، فلكل أسبابه فى تبرير تعاطى المخدرات.
ومواجهة الأمر تحتاج أولاً لمواجهة ثقافية عنيفة أمام طوفان الأفلام الشعبية الهابطة التى تجعل من المخدرات أمراً محموداً ومحبباً لدى الأجيال الصغيرة، وتشجعهم على تجربة الأمر، ولو بدأ الطفل الصغير بالتجربة سينجرف إن لم يكن هناك من يوجهه، وأسمع كثيراً عن مدارس وجامعات وأندية رياضية يتم فيها تداول المخدرات وتعاطيها بشكل طبيعى، ناهيك عن الشباب المتمركزين فى مناطق محددة، وبخاصة على مقربة من القاهرة المزدحمة التى أصبحت سوقاً رائجة لهذه المخدرات.
الجريمة مكتملة الأركان فى حق هذا الوطن، فلدينا ترويج للمخدرات فى السينما المنفلتة التى لا هم لها إلا جمع الملايين لمنتجيها بغض النظر عن أذاها فى المجتمع، ولدينا شباب نما على قيم غير القيم التى كنا نتربى عليها، وهناك انفلات إعلامى يساعد على هذا المناخ بزيادة مناخ الإحباط لدى المواطنين وربما يدافع عن مدمنى المخدرات، ولدينا مناخ اقتصادى يزيد حاله البطالة وبالتالى تروج فيه المخدرات بشكل واضح، ولكن هذا كله لا يبرر التقصير فى المواجهة لهذه الظاهرة المرعبة التى لم أكن أتخيل حجمها فى مصر حتى أسابيع قليلة مضت، وبدأت أثق أن مصر فى خطر حقيقى بسبب هذا البلاء.
ربما يظن البعض أن ما نتحدث فيه يأتى فى ذيل اهتمامات كبيرة حالياً ولكننى أراه من الأهمية بمكان متقدم جداً، لأن له تأثيراً رهيباً على الأمن القومى للدولة.