مثلما يحدث فى كل عمل «تاريخى» تقريباً، أثيرت مسألة اللغة التى تتحدث بها شخصيات مسلسل «الحشاشين»، والتى رأى البعض أنها غير «تاريخية» وغير لائقة بالعمل الذى تعود أحداثه لألف عام مضت.
اللغة التى كان يجب أن تنطق بها الشخصيات، فى نظر هؤلاء، هى العربية الفصحى، على أساس أن كل العرب كانوا يتحدثون الفصحى فى وقت ما من التاريخ، قديماً، قبل ظهور اللهجات المحلية، وأنهم نسوا التحدث بها بمرور الوقت.
وهذا التصور واحد من أكبر الأوهام التى نعيش بها، وتتسبب فى خلل شديد بعلاقتنا بتاريخنا ولغتنا العربية.هذه الفترة، المتخيلة، لم توجد أبداً، ولا يوجد بلد عربى واحد كان كل سكانه يتحدثون اللغة الفصحى، إذا استثنينا بقعة صغيرة محدودة فى شبه الجزيرة العربية، كان الناس فيها يتحدثون بلهجات مختلفة من الفصحى.
ولا بد أن نفرق هنا بين «العلماء» و«المتعلمين» ومن يشتغلون باللغة، الذين يقرأون ويكتبون باللغة الفصحى (كما هو الحال الآن)، وبين الكلام اليومى المنطوق الذى يتحدث به عامة الناس. مصر، على سبيل المثال، لم تنطق باللغة الفصحى أبداً، واللهجة المصرية كانت، ولم تزل، خليطاً من العربية والقبطية والهيروغليفية والفارسية والتركية ولغات عدة أخرى، وهى لهجة مرنة ومتطورة دوماً، بالرغم من النكبة السوداء التى تمر بها حالياً على ألسنة أجيال تعانى من مشاكل عقلية وتعليمية تُعجزها عن التفكير والتعبير، سواء بالفصحى أو العامية، أو أية لغة أخرى.
أزيدك من الشعر بيتاً: معظم الشخصيات التى تظهر فى مسلسل «الحشاشين» لم تكن تتحدث العربية أصلاً.
حسن الصباح وعمر الخيام ونظام الملك كانوا يكتبون ويتحدثون بالفارسية، بالرغم من أنهم تعلموا العربية كلغة أجنبية. الفارسيون والأتراك، كما نعلم، لم يغيروا لغتهم الأصلية، مثلهم مثل النوبيين والأمازيج والأكراد، الذين ظلوا محافظين على لغاتهم الأصلية إلى الآن. وربما لا يعلم الكثيرون أن صلاح الدين الأيوبى أيضاً كان كردياً لا يجيد العربية إلا قليلاً.
حين نطالب المسلسلات «التاريخية» بأن تلتزم الدقة اللغوية، فهذا يعنى أن يتحول «الحشاشين» إلى خليط عجيب من اللغات واللهجات التى كانت تتحدث بها الشخصيات آنذاك، وهو أمر يكاد يكون مستحيلاً، لأن اللغات واللهجات التى كانوا ينطقون بها منذ ألف عام يصعب أن نعثر عليها فى مرجع الآن.
وحتى يمكن أن تتخيل هذه الصعوبة، دعنا نجرب أن نكتب عملاً تدور أحداثه اليوم، بين مدن مصرية متعددة، وفئات اجتماعية متنوعة. ورواد مواقع التواصل يعلقون يومياً حتى على أخطاء «اللهجة» التى يتحدث بها ممثلو الأدوار «الشعبية».
ولو جربنا أن نصنع عملاً عن فترة نهاية القرن التاسع عشر، أو حتى منتصف القرن العشرين، فسوف نكتشف أيضاً صعوبة محاكاة اللهجة التى كان يتحدث بها الناس فى تلك الفترات!
من المهم، قطعاً، أن تراعى المسلسلات الدقة اللغوية، كما تراعى دقة الأحداث والزمان والمكان والملابس والإكسسوارات، إلى آخره، ولكن هذه الدقة لا تكمن فى كتابة الحوار باللغة الفصحى (إلا فى حالة التأكد أن هذه الشخصيات فى تلك الفترة كانوا يتحدثونها)، ولكنها تكمن فى طرق أخرى، تحتاج إلى مقال آخر.