سألنى كثيرون أمس: ما ورد فى مقالك «الرئاسة والإعلام» هل يعنى أن هناك أزمة حقيقية بين الطرفين؟!.. والواقع أن السؤال منطقى ويسكن ثنايا مقالى.. غير أن السؤال الأهم والأخطر: هل يدرك الطرفان أن الأزمة بينهما تمثل خطراً كبيراً على الدولة؟!.. لا أعتقد.. والمظاهر عديدة ولا تحتاج لتحليل عميق..!
يعتقد بعض الإعلاميين أن لهم دوراً بارزاً فى ثورة 30 يونيو، بما حملته من مخاطر وتحديات ونجاح أيضاً.. بل إنهم يؤمنون أن الإعلام خاض المعركة الأشرس فى مواجهة «الإخوان» أثناء رئاسة «د. محمد مرسى»، وأنه نجح فى الحشد الشعبى لـ«عزل الرئيس الإخوانى» من منطلق وطنى.. والحقيقة أن هذا الدور واقع، واعترفت به مؤسسة الرئاسة فى أكثر من مناسبة.. ولكن المشكلة تكمن فى «المقابل» دائماً.. إذ ظن بعض الإعلاميين أن «الرئاسة» عليها أن تسدد الثمن.. سواء قرباً أو مكاسب واضحة.. وفى ذلك خلل واضح فى فهم رسالة الصحفى والإعلامى.. فإذا كانت حياة الإعلاميين مهددة حتى اليوم نتيجة لإسهامهم فى الإطاحة بالإخوان من كرسى الحكم.. فإن المئات فقدوا حياتهم دفاعاً عن الوطن فى مواجهة الإرهاب.. وقطعاً فإن حياة أى صحفى أو كاتب أو مذيع تليفزيونى ليست أغلى من حياة الجندى القادم من أعماق الصعيد ليموت فى صحراء سيناء!!
تلك أزمة فهم ووعى تضغط على الإعلاميين.. فتجعلهم ينتظرون «ثمناً» لدور وطنى، هو فى الأصل عقيدة لا تُباع ولا تُشترى.. لذا لم يكن غريباً أن يصرخ بعضهم غضباً على الشاشات.. دون أن يُفصح عن السبب الحقيقى لهذا الغضب.. قطعاً هو أو هى لن يقول: أين الثمن.. وفين المقابل؟!
لا يدرك الإعلاميون أن توزيع «الغنائم» ونحن فى أرض المعركة يضمن «الهزيمة الساحقة».. ولا يدركون أيضاً أن «المعركة» الراهنة بلا غنائم.. فكل الأطراف خاسرة: الدولة.. الشعب.. والإخوان..!
فى المقابل.. تظن «الرئاسة» أنها تخوض معركة «حياة أو موت».. ومن ليس معى فهو ضدى.. بينما الأمر ليس كذلك.. فالدولة -أى دولة- لا تموت فى مواجهة «الإرهاب».. والأخطر أن «الرئاسة» ذاتها تنتظر «ثمناً» من الإعلاميين: لا تتكلموا فى أزمات الناس والحياة اليومية حتى لا يستغلها «الإخوان».. لا تنتقدوا «الحكومة» لأنها تحارب «الإرهاب».. ركزوا على «نصف الكوب المملوء وليس النصف الفارغ».. والعبارة الأخيرة موروثة نصاً وحرفاً من نظام «مبارك».. أما نظرية «فزاعة الإخوان» فهى «الوصفة» التى اخترعها «مبارك» نفسه ليمكث فى كرسى الحكم ثلاثين عاماً كاملة..!
لا تدرك «الرئاسة» أن المواطن البسيط هو الذى يتقدم صفوف المعركة فى مواجهة «الإخوان والإرهاب».. هو الذى يموت فى الشوارع.. هو الذى يعيش فى «ظلام الكهرباء».. وهو الذى لا يزال فقيراً.. مريضاً.. وجائعاً.. لذا فليس أقل من أن يشكو ويعلو صوته من أجل الحصول على الحد الأدنى للحياة.. والإعلام لا يستطيع أن يكتم «صوت المواطن»، وهو أيضاً يدرك أن السلطة الحاكمة لا تمتلك عصا سحرية لرأب صدع 60 عاماً من الفساد والإهمال.. ولكن المواطن «لازم يتكلم».. وإذا ضاقت السلطة من متاعب الشعب، فلا خير فيها.. ولا خير لها..!
فى «الرئاسة» عقلاء يفهمون ذلك أكثر منى ومنك.. ولكن فيها أيضاً -وللأسف- من يقطع خطواته الأولى فى عالم السياسة والدولة.. مراهقون خطفت أبصارَهم «لمعة الرخام الإيطالى».. فاعتقدوا أن «الاتحادية» عصا ونار وسلطان.. وإلا كيف تتورط «الرئاسة» فى إسناد مهمة إدارة مكتبها «الإعلامى» لمن تكتب وتنشر -حتى الآن- مقالاً فى إحدى الصحف.. تكتب رأيها فى الصحافة، وهى المسئولة عن التواصل مع كل الصحف بشفافية وتوازن ومساواة.. أليس فى ذلك تعارض مصالح؟!
فى «الرئاسة» أيضاً.. تتردد أقاويل قوية عن صراع مكتوم على «الإعلام» بين ثلاثة أطراف.. شد وجذب وهمس ولمز.. والصحفيون ممزَّقون بين هذا وذاك وتلك.. والرئيس السيسى وكبار مساعديه منهمكون فى مهام كبرى.. وهذا منطقى وطبيعى.. ولكن «إعلام الرئاسة» بحاجة إلى مراجعة سريعة.. أما ترتيب «بيت الإعلام المصرى» فهذا قصة أخرى.. وللحديث بقية!