عبادة الله تعالى هى العلاقة الوحيدة التى تربط العبد بمولاه، فالله سبحانه وتعالى فى سياق الكلام عن الإسراء والمعراج عبَّر عن النبى صلى الله عليه وسلم بتلك العلاقة فقال عز من قائل: «سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى» [الإسراء: 1].
فى موطن التحدّى والمعجزة، قال تعالى: «وَإِنْ كُنْتُمْ فِى رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ» [البقرة: 23]
وهذه العلاقة ليست قاصرة على المسلمين فقط أو على بنى آدم فقط وإنما هى علاقة عامة بين الخالق والمخلوق، وعلى ذلك يدل قوله تعالى: «إِنْ كُلُّ مَنْ فِى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِى الرَّحْمَنِ عَبْداً» [مريم: 93].
لذا كانت المحافظة على تلك العلاقة شرفاً كبيراً، لذا قال سيدنا جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل» [رواه الحاكم والبيهقى]، ولما كان صلى الله عليه وسلم يقف من الليل حتى تتورم قدماه ويُسأل لماذا كل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ أجاب بقوله: «أفلا أكون عبداً شكوراً» [متفق عليه].
وشهر الصيام تتجلى فيه العبادة لله تعالى فى صور متعددة، حيث يتميز عن غيره من الشهور بالصيام والقرآن والتراويح وصدقة الفطر، وغير ذلك من العبادات التى تعمل على تعميق علاقة العبد بمولاه، ويبرز هذا المعنى فى قول النبى صلى الله عليه وسلم عن رب العزة سبحانه وتعالى أنه قال: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به..» [متفق عليه].
لذا فى برنامج «فإنه لى» حرصنا على تعميق صلة العبد بربه فى أوقات التهيئة النفسية والروحية المقبلة على الله فى هذا الشهر الكريم، فأردنا تصحيح النظر للعبادة، وذلك بأن يتعامل العبد مع العبادة على أنها توصله لمولاه وتفتح له باب النفحات والبركات والمغفرة والفضل، نعم العبادة ليست مقصودة فى ذاتها، بمعنى أنها لا تضيف إلى الله شيئاً وإنما هى دليل على دخول العبد تحت عباءة الإسلام والإيمان، وترجمة عملية على الانقياد لأمر الله وامتثال أوامره.
لقد بات من المهم جداً أن ندرك أن الغرض من العبادة أن الله أمر بها وأنها فرضت علينا أو شرعت لنا من عند الله سبحانه وتعالى، فيحسن بالمسلم أن يحسن استقبال نفحة مولاه، وهذا هو التوجيه النبوى الواضح فى قوله صلى الله عليه وسلم: «إن لربكم فى أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبداً».
فالتعرض للنفحات الربانية لا سيما ليلة القدر من أهم ما يجب على المسلم ليعيش معنى «فإنه لى»، إذ فى الحديث «من قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَاناً واحْتِسَاباً، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ..». [متفق عليه]، والنفحة لها ثلاثة معانٍ -من وجهة نظرى- هى: الطِيب، عدم التوقع، العطية، وهذا التعرض يكون بأمور أربعة هى: السير إلى الله، الثبات، التسليم، الدعاء.
فاغتنام تلك الأوقات بالتقرب من رب الأرض والسماوات؛ لإدراك النفحات، من أجلّ الأعمال وأفضلها عند الله، كما أنها تعتبر زاداً ومدداً لقلب العبد بأن يتذوق حلاوة ود الله له، ولطفه به أن تقبل سبحانه وتعالى من عبده ما لا يليق به سبحانه، وأثاب عليه ما يليق به عز وجل.