«يا جماعة مسلسل جودر حلو ولا لأ؟» عبر إحدى المجموعات المتخصصة فى مناقشة الأعمال الدرامية، بموقع التواصل الاجتماعى فيس بوك، طرحت إحدى العضوات السؤال، فى انتظار إجابات أعضاء المجموعة لاستطلاع آرائهم، كى تتخذ قرارها، حول المسلسل إن كانت ستشاهده أو لا، وعكس الكثير من الأعمال الأخرى التى حظيت بوجهات نظر مختلفة، لم يبد أن هناك اختلافاً على «جودر»، الذى لم أكن قد شاهدته بعد، أوصاها الجميع بمشاهدته فيما أكد كثيرون عبر تعليقاتهم أنهم يشاهدونه بالفعل بصحبة أبنائهم كل يوم، كان هذا قبل أن تفاجئنى منشورات صديقتى المقربة، والتى لم تعتد متابعة مسلسلات فى حياتها تقريباً، حيث كتبت عبر صفحتها الشخصية تثنى على «جودر» باعتباره العمل الذى استطاع جذب انتباهها ودفعها إلى مشاهدته يوماً بعد آخر، أما التعليق الأغرب الذى صادفنى حول المسلسل، فقد كان فى صورة «ميم» يتساءل لماذا لم يخرج عمل كهذا فى 30 حلقة وليس فى 15 فقط كما جاء!
دفعنى هذا كله إلى البدء فى متابعته، لأجهز على الحلقات السبع الأولى فى وقت قياسى، قبل أن أدرك أننى عدت طفلة أمام هذا العمل الدقيق جداً، والمذهل فى الوقت ذاته، فلطالما كان السؤال حول إمكانية إنتاج أعمال تضاهى تلك التى تنتجها هوليوود، لكن المفاجأة أن الأمر ممكن، وبإتقان شديد، وتركيز استثنائى على أدق التفاصيل، دون دعاية مسبقة، أو حديث مكثف عن الجهد المبذول، انطلق صناع العمل فى تنفيذ ما لديهم وتركوا الحكم للجمهور الذى أنصفهم، تارة عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وتارة أخرى خلف الشاشات حيث الكثير من الأحاديث الجانبية حول المسلسل المبهر الذى استطاع انتزاع «إجماع» نادراً ما يحدث بشأن عمل ما.
لكن مهلاً، لماذا نجح هذا المسلسل، بهذا القدر؟ على المستوى الشخصى، استطاع «جودر» انتزاع إعجابى الشديد، واهتمامى لعدة أسباب، على رأسها أنه مع كل حلقة كان يعيدنى طفلة، تنتظر الشطر التالى من الحدوتة الممتعة، كما أنه من المسلسلات التى يمكن أن تجتمع حولها الأسرة بالكامل، ليستمتع الجميع بالقدر نفسه، بعيداً عن العنف، والعصابات، وأجواء التوتر، يحلق بمشاهديه إلى عالم من الخيال القادر على فصلك عن الواقع، بكل ما فيه من أحداث مؤسفة، وحقائق مرعبة، هكذا يأخذك العمل إلى كادرات هى أقرب إلى اللوحات، فتجدك هناك بالفعل، مع أبطال جودر، تارة على السفينة المخطوفة، منها إلى الجزيرة المسحورة، وتارة خلف المشربية فى حارة سعد السعود، ومرة أخرى داخل أجواء السحر الأسود مع شواهى وأشقائها.
لم يكن يعيدنى إلى أرض الواقع، أثناء المشاهدة الممتعة سوى سؤال واحد ظل يلح علىَّ مع كل مشهد جديد، كيف استطاعوا إنجاز هذا العمل المتقن؟ كم من الوقت استغرقهم؟ وكم من المجهود بذلوا، أتأمل كادرات المخرج المبدع إسلام خيرى، وكتابة الأستاذ أنور عبدالمغيث، وأتعجب من الأداء المتصاعد، والذى يزداد جمالاً على كل المستويات، من كل فريق العمل حلقة بعد أخرى، وهو ما استفزنى حقاً، ألا يوجد خطأ؟ أبطال فى أماكنهم الصحيحة، ديكورات وملابس، وأداء وتصوير وإخراج، يغسل العين من القبح ويعيدها إلى نقطة حيث يمكنها أن تبدأ من جديد. ولعل الأمر الأبرز بشأن جودر هو ذلك الخير المطلق والشر المطلق، حيث كل شىء أخيراً واضح، لا حاجة لبذل الكثير من الجهد كى تصل إلى حقيقة الشخصيات، حتى تلك المعقدة، تبدو واضحة لك، وهو أمر يمنح شعوراً بالراحة والأمان، حيث كل شىء سيكون على ما يرام فى النهاية.. يمكننى القول إن «جودر» هو إحدى وسائل التعافى النفسى وسط صخب الواقع وإيذاء الأحداث الجارية.