قرأت في صحيفة كبيرة مقالين في صفحتين متقابلتين لكاتبين كبيرين في عالم السياسة عن الضربة الإيرانية ضد إسرائيل ونتائجها . أحد الكاتبين أبدى اختلافه مع الذين ينتقدون رد إيران على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق وقال إن العملية كان لها هدف سياسي تحقق . أكدت إيران من خلال ضربتها أنها تستطيع الوصول إلى العمق الإسرائيلي من داخل أراضيها وليس من خلال أنصارها في المناطق المحيطة بإسرائيل وهو أمر ليس بالهين ولم يحدث من قبل على الإطلاق ويحمل تهديدا مباشرا يجعل الإسرائيليين في ذعر حتى لو كانت الضربة التي جرت لم تصب أشخاصا ولم تحقق تدميرا في البنية التحتية داخل إسرائيل .
وقال الكاتب: إن الإسرائيليين سيبقون شاعرين بالذعر عند إطلاق صافرات الإنذار في أي وقت وسيدركون أن الخطر محيط بهم سواء من الجنوب في غزة أو من الشمال من حزب الله أو من إيران ذاتها رغم بعد المسافات. وقلل الكاتب من مسألة إعلان إيران عن هجومها وإخطارها أمريكا والعالم قبل بدء الهجوم وقال إن ذلك لا ينفي أن إيران بضربتها أكدت امتلاكها قرارها بالدفاع عن أرض إيرانية هي قنصليتها في دمشق .
أما الكاتب الآخر فقد كتب في الصفحة المقابلة يسخر من أسلوب المفاجأة الذي استخدمته إيران غير المألوف في الحروب، وقال إن إيران أرسلت طائرات مسيرة تتهادى ولم تستخدم طائراتها المتطورة، وهو ما أدى في النهاية إلى أن أسقطت أمريكا وإسرائيل 99% من تلك الطائرات ولم يصب أحد سوى طفلة بدوية، بينما خرجت المظاهرات في شوارع طهران تحتفل بالضربة التي لم تحقق أي نتائج. وقال الكاتب إن ما فعلته إيران صرف أنظار العالم عما يدور في غزة وأعطت إسرائيل قبلة الحياة بعدما كان الخناق يضيق عليها من دول العالم وحتى من أمريكا التي تشهد هذا العام انتخابات رئاسية.
قصدت أن أبين أن ما حدث من إيران أوجد التباسا لدى المحللين، والكاتبين السابق ذكرهما، من الكبار في عالم السياسة ومع ذلك لم يتفقا في الرأي، لكن لو راجعنا نظريات الحرب الاستراتيجية لوجدنا ليدل هارت –أحد أهم المنظرين الاستراتيجيين– يقول: «إن الهدف الحقيقي ليس الدخول في معركة قدر ما هو الحصول على موقف استراتيجي مميز. وحتى إذا لم يحرز هذا الموقف نتيجة حاسمة، فإن مواصلة الجهود بالدخول في معركة يمكننا من ضمان الوصول إلى النتيجة المطلوبة».
يؤكد هارت بذلك تمسكه بمبدأ «التقرب غير المباشر» ويقول: إن تطبيق مبدأ الهجوم غير المباشر أكثر اتساعا من غيره، فهو مبدأ صالح لكل ميادين الحياة، لأنه حقيقة فلسفية يؤدي استخدامها إلى النجاح العملي في جميع المجالات التي يلعب فيها العامل الإنساني دورا مهما.
كان فيلسوف الحرب الصيني «صن زو» أكد منذ 2500 عام، أن كسب الحرب بدون قتال أو بطرق غير الصدام المباشر أفضل كثيرا من خوض الحرب وتكبد الخسائر. وفي كل الأحوال ستبقى الضربة الإيرانية محل اختلاف بين الآراء المختلفة وستكشف الأيام إذا ما كانت إسرائيل سترد على الرد الإيراني، وإذا ما كانت إيران ستصعد من ردها على الرد الإسرائيلي أم لا، وهل سيؤدي ذلك إلى اشتعال المنطقة أم أن أمريكا صاحبة المصلحة في التهدئة ستتدخل، وهل يصب كل ذلك في صالح فلسطين ومن داخلها غزة أم سيزيد من معاناة الشعب البطل.