المشهد الأول: «إنتى إزاى تقررى حاجة زى دى؟.. أنا الدكتور بتاعى قال غير كده؟!»
بهذه الكلمات اشتدت حمى الصراع بين الأمهات على جروب «الماميز» على الواتساب، فالمسئولة عن تنظيم الجروب والتى نصبت نفسها رئيس مجلس إدارة أمهات العالم والكواكب المحيطة! قررت أنه ممنوع على أى طفل الذهاب للمدرسة إذا أصيب بدور«برد» إلا بعد مرور من 7 إلى 10 أيام غياب، ومن لا تفعل ذلك أم قاسية، قلبها ليس قلب «خساية» تكره طفلها وكل أطفال العالم، وتريد لهم الويل والدمار، بل إنها تتسبب فى حرب عالمية ثالثة.
وفى المشادة ردت الأم التى تتعرض للهجوم أن ابنتها ذهبت للمدرسة بعد 3 أيام فقط، لأنها بالفعل طبيبة وزوجها طبيب وهما اللذان يقرران حالة ابنتهما، هل بعد هذا الرد المنطقى سكتت «رئيس مجلس إدارة أمهات العالم»؟ الحقيقة لا يا عزيزى القارئ، بل إنها بدأت نوعاً جديداً من الأسئلة حتى تحفظ ماء وجهها «ما تخصصك؟ وما تخصص زوجك؟ وأنا الطبيب الذى أتابع معه استشارى كبير كلمته لا تنزل الأرض أبداً!».
وانتهى المشهد بالإعلان أن كلمة «رئيس مجلس إدارة أمهات العالم» هى الحق وأيدها «شلة» من الأمهات الصديقة لها.
المشهد الثانى: اتفقت الأمهات على إرسال حلوى وأطعمة خفيفة للأطفال فى المدرسة احتفالاً بعيد الطفولة، مر اليوم بسلام وفرح الأطفال، ولكن لم يكن السلام هو عنوان اليوم التالى الذى شهد مشادة على جروب «الماميز» والسبب وضع «الملح» على الفشار.
هل هناك علامات تعجب على وجهك عزيزى القارئ؟ أرجوك امسحها، بالفعل هذا هو السبب، ودفع إحدى الأمهات للهجوم الكاسح على الأم التى وضعت الملح على الفشار، ووصفتها بـ«أم غير صالحة»، لا تفهم معنى الأمومة ولا تخاف على صحة أولادها، لأنها تضع لهم الملح فى الطعام وهم فى سن الـ5 سنوات!
واختتمت الأم شجارها بنواح عبثى: لن أسامحك، طفلى الآن يستلذ طعم الملح بسببك، وصار يطلب وضع الملح فى الطعام.. ماذا أفعل؟!
...
تبدو المشاهد السابقة وغيرها التى تحدث فى جروبات «الماميز» كوميدية بالنسبة للبعض، على طريقة الفيلم الأمريكى «bad moms»، الذى صور صراعات الأمهات فى المدارس بطريقة فكاهية لذيذة تستدعى الضحك، ولكن فى الحقيقة لا يبدو الأمر كذلك بل على العكس، فقد تحولت جروبات الماميز إلى عبء كبير على نفسية الأمهات التى تعانى أساساً من جبال مسئوليات لا تنتهى، فأى اختلاف فى الرأى ولو لمرة واحدة فقط سوف يعرضها للتشكيك فى أمومتها بل فى معتقداتها وأفكارها، بل وقد تتعرض للنبذ الاجتماعى من «الشلل» الموجودة بالجروب، ومعها أبناؤها!.
مما يجعل سؤال البعض: ما كل هذا أنا فقط أردت أن يدخل أطفالى المدرسة، ويحظون بتعليم جيد؟
«جروبات» الماميز هى نتاج التكنولوجيا الحديثة التى لا يمكن تجاهلها، لكنها للأسف فى بعض الأحيان صارت سلاحاً تستخدمه أمهات لفرض أفكارها وآرائها التى ليست بالضرورة صحيحة 100%، والأصعب هو تحول تلك «الجروبات» ساحة للمنافسة والتباهى، وللتنفيس عن المشكلات الشخصية والنفسية، فتنتشر تلك الأمراض فى المجتمع انتشار النار فى الهشيم، ويصبح ضرر تلك «الجروبات» أكبر من نفعها بعد أن اختفى دورها الحقيقى وهو المساهمة فى تطوير العملية التعليمية وتسهيلها.
- ما الحل إذن؟
على مدار عملى الصحفى، كان هناك العديد من النصائح التى يطرحها خبراء تربويون ونفسيون بشأن أهمية التعامل بحذر شديد مع جروبات «الماميز» لمواجهة تأثيراتها السلبية، لكن النصيحة الذهبية قدمتها مديرة مدرسة تعمل فى مجال التدريس والتوجيه أكثر من 30 عاماً، وهى أن السلام النفسى للأم هو الأهم، فإذا شعرت الأم بالضغط النفسى فعليها الخروج من تلك الجروبات، أو تتجاهل الرسائل، خصوصاً أن «الشللية» بنسبة كبيرة تحكم تلك «الجروبات».
أهمية النصيحة تتمثل فى أن الأمهات بحق بحاجة لكل قطرة سلام نفسى لتربية أبناء أسوياء نفسياً وعقلياً، ولا ينقصهن تشكيك فى أمومتهن وهن أساساً يشعرن بالذنب القاتل تجاه أى تقصير ولو بسيط مع أبنائهن، وكما قالت «إيمان مرسال» فى كتابها «عن الأمومة وأشباحها»: «الأم التى لا تشعر بالذنب تجاه أطفالها، هى تلك التى أتاها ملاك لحظة الولادة وشق صدرها واستأصل تلك النقطة السوداء»..
أما عن جروبات الماميز وتأثيرها على نفسية الأطفال فهذا فى مقال آخر.