تتعرض السينما المصرية لأزمة، وهي تتعرض لأزمات منذ نشأتها تقريبا، ومن يعود إلى صحافة الثلاثينيات والأربعينيات سيجد تعبير "أزمة" مرتبطا بالسينما في كثير من الموضوعات والتحقيقات والندوات.
مع ذلك، فهي دائما قادرة على إدهاش متابعيها بقدرتها على الاستمرار والتجدد، بالرغم من إدهاشهم أيضا بعدم قدرتها على تجاوز السقف الذي تضعه فوق رأسها فنيا وتعبيريا.من تحت الركام، ومن هامش صناعة تجمدت عند طموح تجاري وفني محدود، يخرج كل عام، أو بضعة أعوام، فيلم مستقل صغير ينجح في عبور الحدود ويحقق نجاحات وانتصارات في المهرجانات الدولية الكبرى.
ومن الأشياء الأكثر إدهاشا أنه في سنوات تخلو من أسماء بقامة يوسف شاهين وصلاح أبو سيف وكمال الشيخ وشادي عبد السلام ومحمد خان وعاطف الطيب وداود عبد السيد وخيري بشارة ويسري نصر الله، يستطيع شباب صغار بأعمالهم الأولى أن يصلوا بأعمالهم إلى العالمية مثلما حدث لـ"يوم الدين" أبو بكر شوقي و"ستاشر" لسامح علاء و"ريش" لعمر الزهيري و"عيسى" لمراد مصطفى، التي فازت بجوائز كثيرة وكبيرة في مهرجانات دولية، وآخرها فيلم"رفعت عيني للسماء" لندى رياض وأيمن الأمير، الذي حصل على جائزة أفضل عمل وثائقي عرض في كل أقسام مهرجان "كان" الحالي.
بالطبع هذه أمثلة من الماضي والحاضر لا تضم كل أسماء الصناع أو الأفلام، وليس المقصود هنا الحصر ولكن الظاهرة بشكل عام: في الوقت الذي تتخبط فيه الصناعة بين الأكشن المقلد من هوليوود والكوميدي المحلي، وانحسار الهامش الانتاجي الذي كان يتسع في يوم من الأيام لأمثال المخرجين الكبار سابقي الذكر، يستطيع شبان مستقلون، بدعم من مهرجانات وهيئات عالمية وعربية غالبا، أن يحققوا إنجازات فردية، لا تستمر غالبا، ولا تصنع تيارا بديلا أو هامشا كبيرا يصبح جزءا من الصناعة.
ولكن يمكن ذكر ملاحظات عامة قد تساعد على فهم هذه الظاهرة وأسبابها: يجمع هذه الأعمال المستقلة الناجحة أنها تتناول موضوعات يصعب تقديمها في السوق السائد، بميوله الرجعية والتقليدية الحالية.
والموضوعات لا يقصد بها قصص الأفلام فقط، ولكن الطريقة الفنية التي تعالج بها هذه القصص، والتي تختلف عن الطريقة النمطية الساذجة والصاخبة التي تعالج بها السينما والدراما موضوعاتها وقصصها.
إنها، ببساطة، لا تضع المعادلات والوصفات التجارية نصب عينيها.
وهذه الموضوعات وطريقة معالجتها دائما ما تحدث جدلا في مجتمعنا الممتلئ بالهواجس تجاه كل ما يمس صورته أمام الآخر وأمام كل جديد بشكل عام.
وإذا أضفت إلى ذلك تربص صناع السينما التجارية السائدة بهؤلاء الشباب الذين يغردون خارج السرب والقطيع ويحققون نجاحات لا يحلم بها صناع السينما السائدة، فيكيلون لهم الاتهامات بلا حساب ولا مراعاة للأخلاقيات المهنية أو العامة.وهو موضوع يحتاج إلى مقال مفصل غدا!