تهاوت أوراق التوت تباعاً عن سوءات الإدارة الأمريكية، بعدما تبين للعالم أبعاد دورها الخبيث فى حرب الإبادة الجماعية التى يتعرّض لها أبناء الشعب الفلسطينى على يد كيان محتل غاصب، لا يتورع عن قتل الآلاف من الأطفال والنساء، وهدم المساجد والكنائس والمدارس، بل وتدمير المستشفيات على رؤوس المرضى، والقضاء على كافة مظاهر الحياة فى قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر الماضى، بدعم كامل وغير مشروط من جانب واشنطن، التى طالما قدمت نفسها على أنها «وسيط» يسعى لإقرار السلام على أساس حل الدولتين بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
سقطت إحدى أوراق التوت عن سوءات إدارة الرئيس الأمريكى السادس والأربعين، جو بايدن، بعد أيام قليلة على إطلاق الكيان الغاصب العنان لقواته الإجرامية لتعيث يده الإجرامية قتلاً ودماراً وفساداً فى قطاع غزة، بمباركة عجوز البيت الأبيض، الذى خرج يوم الأربعاء 11 أكتوبر، بأكذوبة كبرى لتبرير إبادة شعب بأكمله، عندما زعم، أمام حشد من زعماء الجالية اليهودية، أنه شاهد بأم عينه صوراً لرضع إسرائيليين مقطوعى الرأس، وهى رواية استغلتها آلة الدعاية الصهيونية فى تضليل الرأى العالمى، وبعد ساعات قليلة اضطر البيت الأبيض إلى إصدار بيان يهدم الرواية من أساسها، ليؤكد أن بايدن، البالغ من العمر 82 عاماً، لم يشاهد أى صور لأطفال إسرائيليين مقطوعى الرأس، وإنما يستند فى ذلك التعليق إلى ادعاءات متحدث باسم حكومة الاحتلال، دون أن يتأكد البيت الأبيض، بأجهزته ومستشاريه، من حقيقتها.
ورقة توت أخرى سقطت فى اليوم التالى، 12 أكتوبر، أثناء زيارة وزير خارجية الولايات المتحدة أنتونى بلينكن إلى الكيان الغاصب، ليعلن تضامنه مع أبناء جلدته، فى أعقاب عملية «طوفان الأقصى» المباغتة، التى أفقدت الاحتلال توازنه، وكشفت عن مدى هشاشة دفاعاته الحديدية المزعومة، لينزع الوزير الأمريكى قناع الدبلوماسية الناعمة عن وجهه، ويعلنها صراحةً أنه يزور إسرائيل بصفته «يهودياً»، وتعهّد بتلبية كافة الاحتياجات العسكرية للكيان الغاصب، ليواصل حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطينى، وتدمير قطاع غزة كلياً، حتى يصبح غير صالح للعيش، وإجبار سكانه على النزوح قسراً وترك أراضيهم وبيوتهم.
سقطة جديدة لرجل البيت الأبيض العجوز، تهاوت معها ورقة ثالثة من أوراق التوت عن سوءات بلاده، يوم 17 أكتوبر، بينما كانت حرب الإبادة على أشدها فى يومها العاشر، ففى أول تعليق على المجزرة التى أوقعت ما يقرب من 500 شهيد فلسطينى نتيجة قصف صاروخى على المستشفى الأهلى العربى، المعروف أيضاً باسم «المعمدانى»، سارع بايدن، الذى كان فى زيارة للكيان المحتل، بالقول إن «الجانب الآخر» هو المسئول عن القصف الذى استهدف المستشفى الواقع فى حى «الزيتون»، جنوب مدينة غزة، فى اتهام صريح إلى فصائل المقاومة بالمسئولية عن ذلك الهجوم الإجرامى، الذى تزامن مع وصول بايدن للمنطقة، إلا أن تحليلات عسكريين أمريكيين أثبتت كذب رواية الرئيس بايدن مرة أخرى، وأكدت أن الصاروخ الذى استهدف المستشفى صناعة أمريكية من نوع صواريخ (JDAM) شديدة التدمير.
كبرى أوراق التوت التى كشفت عن مدى بشاعة سوءات الولايات المتحدة، كانت فى يوم الأحد 25 فبراير، عندما قام الجندى فى سلاح الجو الأمريكى آرون بوشنل، بإشعال النار فى نفسه خارج سفارة الكيان الغاصب فى واشنطن، فى فيديو مصوَّر هزَّ أرجاء العالم، وآخر ما قاله قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة: «لن أكون متواطئاً بعد الآن فى الإبادة الجماعية، أنا على وشك المشاركة فى عمل احتجاجى متطرف، ولكن مقارنةً بما شهده الناس فى فلسطين على أيدى الإسرائيليين، فهو ليس متطرفاً على الإطلاق»، وظل يردد «فلسطين حرة» بينما تحول إلى كتلة من النيران، ليوجه صفعة قوية إلى إدارة بايدن، ويلفت أنظار العالم إلى حقيقة الجرائم ضد الإنسانية التى يرتكبها جيش الاحتلال بحق أبناء الشعب الفلسطينى بمباركة أمريكية.
قبل هذه الواقعة وما بعدها، توالى سقوط المزيد من أوراق التوت داخل أروقة مجلس الأمن الدولى، حيث اضطرت الولايات المتحدة إلى استخدام حق النقض «الفيتو» عدة مرات، لإجهاض أى محاولة لإصدار قرار يلزم الاحتلال الغاصب بوقف إطلاق النار، بعدما بدأ العالم يدرك حقيقة حرب الإبادة التى يرتكبها كيان غاصب محتل بحق شعب بأكمله يعيش معاناة إنسانية تحت الاحتلال دون أى بارقة أمل، أولى هذه المحاولات جاءت يوم 18 أكتوبر، بعد 11 يوماً من اندلاع حرب الإبادة الجماعية، عندما أجهض «فيتو» أمريكى مشروع قرار قدمته البرازيل، يدعو إلى هدنة مؤقتة، تسمح بدخول المساعدات الإنسانية.
فى 8 ديسمبر، استخدمت واشنطن «الفيتو» مرة أخرى لمنع اعتماد مشروع قرار مقدم من دولة الإمارات العربية المتحدة، بدعم من 96 دولة عضواً فى الأمم المتحدة، يطالب بالوقف الفورى لإطلاق النار لأسباب إنسانية، ثم فى 22 من نفس الشهر، لجأت الولايات المتحدة لاستخدام «الفيتو» للمرة الثالثة، لإجهاض مشروع قرار مقدم من روسيا الاتحادية، يدعو إلى وقف إطلاق النار فى غزة لتوسيع تسليم المساعدات الإنسانية، وفى 21 فبراير 2024، أجهضت الولايات المتحدة، وللمرة الرابعة، مشروع قرار قدمته الجزائر، يدعو لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة.
فى المقابل، لجأت كل من روسيا والصين إلى استخدام نفس الحق «الفيتو»، فى 22 مارس، لإجهاض مشروع قرار أمريكى يربط بين وقف إطلاق النار فى قطاع غزة والإفراج عن الإسرائيليين المحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية، وصوتت ثلاث دول ضد المشروع، من ضمنها الجزائر، وفى 19 أبريل، استخدمت الولايات المتحدة «الفيتو» من جديد لمنع صدور قرار يفتح الباب أمام منح دولة فلسطين العضوية الكاملة بالأمم المتحدة، وفى العاشر من مايو، اعتمدت الجمعية العامة، بأغلبية 143 صوتاً، مقابل معارضة 9 أعضاء، تتقدمها الولايات المتحدة، قراراً يوصى مجلس الأمن بإعادة النظر فى مسألة منح فلسطين العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة بشكل إيجابى.
وسط تهاوى أوراق التوت عن سوءات أمريكا، عملت إدارة بايدن على حفظ بعض ماء الوجه، وتحسين صورتها التى انكشفت أمام العالم، من خلال إطلاق بعض النداءات لحكومة الاحتلال، بين الحين والآخر، بالعمل على حماية المدنيين، أو بإعلان عقوبات بحق عدد من المستعمرين المتطرفين الذين اعتادوا التعدى على مواطنين فلسطينيين فى بعض بلدات الضفة الغربية، أو عن طريق الإعلان عن تعليق مؤقت لإحدى شحنات الأسلحة لصالح جيش الاحتلال.
وقبل نحو أسبوع، أعلنت الولايات المتحدة عن الانتهاء من إنشاء رصيف بحرى على شاطئ غزة، بهدف استقبال شحنات المساعدات الإنسانية والغذائية، إلا أن وكالات الأمم المتحدة تعتبر أن هذا الرصيف البحرى لن يمكنه تلبية الاحتياجات المتزايدة لسكان القطاع، ولن يمكن أن يكون بديلاً للمعابر البرية التى سيطر عليها جيش الاحتلال دون أى معارضة من الجانب الأمريكى، وترى منظمات إنسانية وإغاثية أن إغلاق المعابر البرية سيجعل من قطاع غزة أكبر مقبرة جماعية فى العالم، بعد أن ظل لما يقرب من 17 عاماً، أكبر سجن مفتوح فى العالم.