"باب البحر".. المدخل الرئيسى للسجائر الصينية فى القاهرة
فى جوف الليل تتسرب السيارات المحملة بـ«كراتين» السجائر المهربة، والمعروفة بين مدخنيها وبائعيها بـ«السجائر الصينى» إلى شارع باب البحر، بوسط القاهرة، ليس بهدف التخفى والبعد عن الأنظار باعتبارها سيارات تنقل بضاعة مهربة، كما يروى نصر مسعود، أحد العاملين فى تجارة لعب الأطفال فى الشارع، بقدر ما هى الطبيعة التجارية للشارع ذى الطابع التجارى العشوائى الذى يعانى من فوضى الزحام على مدار ساعات النهار، حيث تتزاحم البضائع على عتبات المحال التجارية وتمتد إلى حرم الطريق الذى يضيق بالسائرين فيه، باستثناء يوم الأحد الذى يعتبر الإجازة المتعارف عليها بين التجار فى منطقة باب الشعرية ووسط البلد، هو ما يسمح بدخول سيارات السجائر المهربة فى صباح هذا اليوم فقط.
من ميدان باب الشعرية، وتحديداً مدخل شارع باب البحر تدخل السيارة المحملة بالسجائر الملفوفة بغطاء من القماش السميك زيتى اللون يخفى حمولتها المهربة، التى يتكشف أمرها مع بدء أحد العمال فى «فك» الأحبال التى توثق الحمولة لنزع الغطاء بمجرد وقوف السيارة أمام أحد العقارات السكنية، كما تظهر واجهات الطوابق الخمسة المتعددة للمبنى، بخلاف الدور الأرضى المكون من مدخل للعقار تصطف على جانبيه 4 محال مغلقة، تعلن لافتة صفراء اللون عن هوية محلين منهما، مكتوب عليها: «معرض وتوكيل للعب الأطفال الصينى»، ليبدأ ثلاثة عمال فى تفريغ حمولة السيارة ونقلها إلى إحدى الشقق الخلفية بالطابق الأرضى عبر المرور من مدخل العقار.
وشارع باب البحر الذى اشتهر على مدار عصوره الممتدة عبر مئات السنين بالأنشطة التجارية المتنوعة التى تغذى الأسواق الشعبية بالبضائع، أصبحت السجائر المهربة أحد أبرز معروضاته على مدار الـ4 سنوات الماضية، فمع دقات الساعة الحادية عشرة صباحاً، تبدأ المحال بالشارع، الذى يمتد من ميدان باب الشعرية وصولاً إلى شارع كلوت بك المتفرع من ميدان رمسيس، بفتح أبوابها وعرض بضاعتها التى تتنوع بين السجائر وألعاب الأطفال وبقايا حلويات المولد النبوى.[FirstQuote]
محسن بيومى، أحد أقدم التجار بالشارع، يرى أن تجار باب البحر لا يستقرون على بضاعة محددة، فالسوق من وجهة نظره كما تقول القاعدة الاقتصادية «عرض وطلب».
ويكشف «بيومى» كيف أن السجائر المهربة أصبحت إحدى البضائع الرئيسية للشارع ذى الطابع الأثرى والتجارى، قائلاً: «أى منتج جديد أو بضاعة جديدة بتظهر فى السوق أو يعرضها علينا المستوردين، بنعرضها فى الشارع ولو لقت إقبال بيتم مضاعفة الكمية»، موضحاً أنه كلما زادت عملية الشراء والسحب على منتج بعينه، تتضاعف الكميات التى تُضخ فى السوق منه، وهو ما حدث مع السجائر المهربة التى تحولت إلى بضاعة تحقق مكاسب خيالية مقارنة بغيرها من البضائع الأخرى المعروضة فى الشارع، هو ما دفع العديد من التجار إلى العمل فيها، سواء من خلال استيرادها من الخارج أو ترويجها وتوزيعها داخل الأسواق، يرفض «بيومى» التعليق على كيفية دخولها قائلاً «اسأل اللى بيشتغلوا فيها».
السجائر المهربة التى تتجاوز الـ150 نوعاً وفقاً لتقدير «سعد» أحد الباعة، منها ماركات لا توجد لها مثيل «capital» و«Malimbo» «royal» و«Denver» و«king» و«queen»، وتعتبر هذه الأنواع الأكثر رواجاً، حيث يتراوح سعرها من 4 إلى 8 جنيهات، هناك أنواع أخرى من السجائر المهربة تقليد لعبوات السجائر المحلية المنتشرة فى مصر وتحمل العلامة التجارية لـ«كليوباترا» و«مارلبورو»، وتباع الأولى 4 جنيهات والثانية بـ9 جنيهات، بينما الأصلية تباع قبل الزيادة الأخيرة بـ20 جنيهاً وارتفع سعرها الآن إلى 25 جنيهاً، ويصف «سعد» هذه النوعيات «المغشوشة» بأردأ الأنواع، ولكنها تُعبأ فى هذه العبوات بناء على رغبة المستورد الذى يطالب بوضع العلامة التجارية للسجائر المحلية فى مصر، دون صورة التحذير من التدخين الموجودة على علبة السجائر المحلية.
وداخل شارع باب البحر، يقتصر نشاط بعض المحال على بيع السجائر فقط، حيث تتراص على مكتب خشبى «خراطيش» السجائر التى تظهر النوعيات المعروضة داخل المحل، مدوناً عليها السعر، وفى الداخل تتراص «خراطيش» السجائر على استاندات، كل رف يوضع عليه نوع معين، وفى خلفية المحل توضع كراتين ممتلئة لم تفتح بعد.
وهناك نوع ثانٍ من الباعة يعرضون السجائر وسط بضاعتهم التى تتنوع ما بين لعب الأطفال والخردوات وغيرها، فيما تجد بعض الباعة ينتشرون على ناصية الشارع من ناحية باب الشعرية ورمسيس، ليعرضوا بضاعتهم داخل «فتارين» زجاجية، ولا يقتصر بيعهم على السجائر بأسعار الجملة فقط، كما يحدث مع النوع الأول والثانى من الباعة، حيث يجمعون بين البيع «قطاعى» بالعلبة الواحدة، أو بالخرطوشة كما يحدث مع باعة «الجملة».
وقال يوسف عبدالحى، عمدة شباب السلوم، إن بعض هذه النوعيات من السجائر تدخل الموانئ البحرية بطريقة شرعية على أنها بضاعة ترانزيت ستنقل براً إلى ليبيا عبر منفذ السلوم، هنا لا تخضع لتفتيش دقيق باعتبارها بضاعة غير مصرية، وبمجرد خروجها من الميناء يجرى تفريغ كراتين السجائر سواء فى السلوم، أو غيرها من المدن التى يوجد فيها الميناء بالتنسيق بين المهربين والتجار، لتدخل البضاعة منفذ السلوم دون السجائر.
وعقب الزيادة التى أقرها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى يوليو الماضى على أسعار السجائر، بفرض 50% من قيمة الضرائب، شهدت السجائر المعروفة بـ«الصينى المهربة» ارتفاعاً فى الأسعار بلغ 25% مقارنة بما كانت عليه قبل الزيادة.
ووفقاً للشركة الشرقية للدخان فإن 20% من المدخنين، الذين يقدر عددهم بـ14 مليوناً و600 ألف مدخن، يعتمدون على السجائر المهربة والمغشوشة، ووصفت هذه الشريحة بأنها مترددة وغير مستقرة، وغالباً ما تغير السجائر التى تدخنها ولا تعتمد على نوع معين.