أشرُف بأننى أحد المحكمين فى جائزة نقابة الصحفيين، بعد أن شرُفت من قبل بالفوز بها مرتين، ومنذ يومين كان موعد تسليم الجوائز فى المسرح الكبير بمقر نقابة الصحفيين، وكانت مقاعد المسرح مملوءة فى الصالة والبلكون بالإضافة إلى الواقفين الذين لم يحظوا بمقعد.
جائزة النقابة واحدة من العلامات المميزة لنقابة الصحفيين المصرية والأشهر على مستوى الجوائز الصحفية، ومن يفوز بها فكأنه ملك الدنيا وما عليها.
فجر نقيب الصحفيين خالد البلشى مفاجأة فى كلمته، قال: إن مجلس النقابة عزم على رفع الجوائز الخاصة إلى 50 ألف جنيه بدلاً من 30 ألفاً، وأنه طرق جميع الأبواب لتمويل هذه الجوائز ولكن كل المحاولات باءت بالفشل، إلى أن طرق باب الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، التى رحبت برعاية الاحتفالية وتمويل الجوائز.. وخلال فترة التجهيزات للاحتفالية، تلقت النقابة نبأ مفجعاً، بإصابة إحدى الزميلات فى حادث، وأنها بين الحياة والموت، وتحتاج جهازاً للرئة والقلب يتكلف 500 ألف جنيه، بالإضافة إلى تكاليف المستشفى (المنيل الجامعى)، وأنه أجرى اتصالات بكل الجهات للمساعدة فى علاج الزميلة، نظراً لارتفاع التكاليف ولم يستجب أحد، فطرق باب «المتحدة» مرة أخرى فأجابه المسئول الذى رفض ذكر اسمه -كما أعلن النقيب- بأنه لا يوجد اعتماد لدى «المتحدة» سوى المبلغ المخصص لتمويل جائزة النقابة، ويمكن أن يتم توجيه هذا المبلغ لعلاج الزميلة، التى لا تتعدى نسبة شفائها الـ20٪، وأنها فى حالة الشفاء ستكون هذه أكبر جائزة تمنحها النقابة لزميلة أم لطفلين.. وبالفعل تم توجيه المبلغ لعلاج الزميلة، وشاءت إرادة الله أن يتم الشفاء، وتفوز النقابة «بالجائزة الكبرى».. وبقيت أزمة رفع قيمة الجوائز، وإذا بمسئول الشركة المتحدة يتصل بالنقيب ويخبره بأنه تقرر تحمل الشركة لتمويل زيادة الجوائز مرة أخرى.
النقيب قال إن مسئول الشركة طلب منه عدم ذكر اسمه، لكنه -النقيب- رأى أنه من الشرف أن يسرد لجموع الصحفيين حكاية الجائزة الكبرى التى مولتها بالكامل «المتحدة»، وسط تصفيق مدوٍ من جموع الصحفيين.
سعدت عندما رأيت الاحتفالية تذاع على الهواء على كل الفضائيات ليرانا كل العالم، ومصر ترفع شعار «الإنسانية» أولاً، من قلب قلعة الحريات «نقابة الصحفيين»، وهى تعلن عن جائزتها الكبرى، ثم تعلن عن فوز وائل الدحدوح بجائزة شخصية العام، تأييداً لنضال الشعب الفلسطينى، وشجباً ورفضاً للحرب البربرية التى تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى الأعزل.
كان من الأمانة ألا أسمع هذه القصة، دون أن أوثقها بمقال، وهذا أقل ما يمكن أن نفعله وسط هرولة الجميع لإنقاذ أم لطفلين.. وجميع أطرافها كانوا على مستوى عال من المسئولية والإنسانية والرقى فى التعامل، ولم يسع أحد إلى المتاجرة بهذا العمل الإنسانى، فلم يتم الإعلان عنه وقت حدوثه، ولا عندما أنعم الله على الزميلة بالشفاء، ولم يتم ذكر اسم الزميلة مطلقاً، ولم يتم الإعلان عن اسم المسئول الذى فضل أن يظل مجهولاً، رغم عِظم ما فعله.. نحن أمام ملحمة إنسانية مكتملة الأركان، كل أبطالها كانوا أبطالاً حقيقيين «المتحدة» و«النقابة».
المناخ الإعلامى الموجود يبشر بالخير، والتنسيق الذى يحدث بين «المتحدة» وكافة الجهات الإعلامية ينبئ بأن الجميع على قدر كبير من الوعى بأهمية الإعلام ودوره ليس فقط بزيادة الوعى بين الرأى العام بمختلف القضايا، ولكن أيضاً بتجسيد معنى الضمير الإنسانى الذى يسبق أى ضمير مهنى، فأى مهنة هى فى النهاية لخدمه الإنسانية، وتظل وسيلة وليست غاية، نحن فى عهد بناء الإنسان، بالفعل وليس بالشعارات.