قام عادل الجبير، وزير الخارجية السعودى الجديد، الذى تولى مهام منصبه فى ظروف صعبة، بأول زيارة له لمصر منذ توليه هذه المهام، حيث التقى برئيس الجمهورية ووزير الخارجية، الذى عقد معه مؤتمراً صحفياً فى أعقاب انتهاء مباحثاتهما، ولقد كانت زيارة هذا الوزير الشاب صاحب الوجه الهادئ مناسبة لتبديد ادعاءات وجود خلافات بين مصر والسعودية، وهو ما يتسق مع مقالة سابقة لى ارتقت بالعلاقات المصرية - السعودية عن أن تتأثر بتغيير داخلى يجرى فى أحد طرفيها، لأن العلاقات بينهما قائمة على مصالح استراتيجية متبادلة ليس من السهل التضحية بها، وعلى الرغم من أن البعض يحلو له دائماً أن يذكرنا بالخلاف المصرى - السعودى فى ستينات القرن الماضى حول الثورة اليمنية، فإن السجل الشامل للعلاقات بين البلدين يشهد بهذه المصالح الاستراتيجية التى أدركها الملك عبدالعزيز آل سعود مؤسس المملكة، وأورث هذا الإدراك لأبنائه الذين عملوا جميعاً وفقاً له، بحيث يبدو خلاف الستينات استثناءً له ظروفه الموضوعية آنذاك، فقد كانت السعودية أول حليف لمصر فى معركتها ضد حلف بغداد فى منتصف الخمسينات، وساندتها بقوة ضد العدوان الثلاثى فى ١٩٥٦، وقدمتا سوياً فى عام ١٩٦١ أكبر مساهمة فى قوة حفظ السلام العربية التى قرر مجلس وزراء خارجية الجامعة العربية إرسالها إلى الكويت فى مواجهة التهديد العراقى لها، على الرغم من أن العلاقات المصرية - السعودية كان يشوبها التوتر آنذاك، وبعد سنوات الخلاف حول الثورة اليمنية فى الستينات سارعت السعودية مع الكويت وليبيا إلى تقديم الدعم المالى لمصر وغيرها من دول المواجهة بعد هزيمة ١٩٦٧ لمساعدتها فى إزالة آثار العدوان الإسرائيلى، وقادت السعودية عملية استخدام سلاح البترول فى حرب أكتوبر ١٩٧٣، ووقفت الدولتان فى المعسكر نفسه فى أزمة الغزو العراقى للكويت ١٩٩٠ واضطلعتا بالدور الأساسى فى إعادة الروح للنظام العربى عقب تلك الأزمة، وهاهما الآن يحاربان مع باقى دول التحالف العربى محاولات التمدد الإيرانى فى الوطن العربى.
أكدت الزيارة عمق ارتباط الأمن المصرى بأمن دول الخليج العربية وقوة التعاون بين البلدين فى مواجهة الإرهاب ونية تعزيز العلاقات الثنائية وتوظيفها فى خدمة الأمن القومى ودعم الاستقرار فى المنطقة ونفى وجود خلاف حول القضية السورية والتأكيد على كيفية إيجاد الدعم المناسب لقوى المعارضة السياسية لإخراج سوريا من أزمتها وفق مقررات چنيڤ، وكذلك التأكيد على تطابق الرؤية بخصوص القضية اليمنية فيما يتعلق باستعادة الشرعية وضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن ٢٢١٦ وتلبية الاحتياجات الإنسانية للشعب اليمنى، ورفض التدخل الإيرانى فى قضايا الأمن القومى العربى والشئون الداخلية للدول العربية عامة والخليجية خاصة، وفى هذا السياق أكد الجبير استعداد المملكة لبناء علاقات جديدة مع إيران بشرط وقف هذا التدخل، ويفضى كل ما سبق إلى الاطمئنان على سلامة التنسيق المصرى - السعودى ومتانته، لكنه لا يشفى الغليل بشأن التفاصيل الخاصة بتعقد الأزمات العربية الراهنة، الذى يتطلب بحثاً جاداً وأفكاراً جديدة للخروج من هذه الأزمات التى باتت تشكل معضلات حقيقية تنبئ بتداعيات خطيرة، فبالنسبة للقضية السورية على سبيل المثال وبغض النظر عن استحالة الدفاع عن أى دور للنظام السورى الحالى فى مستقبل سوريا، لا يمكننا أن نغفل أن البدائل الأكيدة لهذا النظام لا تقل عنه سوءاً إن لم تكن أسوأ، فكيف نضمن مستقبلاً آمناً لسوريا موحدة فى ظل الضعف البيّن لقوى المعارضة غير الإرهابية؟ وكيف نضع حداً للعبث الأمريكى بهذا المستقبل؟ وما العمل إزاء تلميحات منسوبة لقيادات إيرانية بأن علينا أن ننتظر مفاجأة فى الأيام المقبلة؟ وهل تخرج هذه المفاجأة عن مزيد من الدعم الإيرانى إن لم يكن التدخل المباشر استناداً إلى سابقة عاصفة الحزم؟ وبالنسبة لليمن وعلى الرغم من نجاح «عاصفة الحزم» فى تحجيم قدرات الحوثيين فإن ذلك لم يؤد حتى الآن إلى الإفراج عن الدولة اليمنية والتوقف عن العدوان على السعودية، ويعنى هذا من جانب أن «عاصفة الحزم» مستمرة وأن علينا من جانب آخر أن نفكر فى تطويرها بتدريب سريع ومكثف للمقاومة اليمنية داخل اليمن وخارجها، والتفكير فى عمليات برية خاصة لأهداف محددة، والضغط من أجل تكوين قوة عربية دولية لتنفيذ قرار مجلس الأمن ٢٢١٦، وكذلك فى قبول الإطار الأممى المطروح لجهود التسوية، طالما أن مرجعيته هى هذا القرار، أما فى ليبيا فقد آن الأوان لوضع الثقل العربى عامة والمصرى السعودى خاصة فى كفة الحكومة الشرعية، بعد أن ثبت أن «فجر ليبيا» غير قادر إلا على قسمة الدولة الليبية ومؤسساتها دون أن يكون بمقدوره أن يدفع عنها خطر تمدد «داعش» بعد أن سقطت سرت فى قبضته، وفى هذا الإطار يبدو العراق فى تقديرى أكثر الحالات تعقيداً، فى ظل نظام ما زال جوهره طائفياً بامتياز، ومؤسساته العسكرية والأمنية شديدة الهشاشة، وعلاقته بإيران حاكمة، فمتى نستطيع أن نخطو الخطوة الأولى فى طريق الخلاص الحقيقى من هذه المعضلات الكارثية أم أننا للأسف لا نملك بعد القدرة على ذلك؟