تحاول جماعة الإخوان أن تخرج من عزلتها، وتعطى أملاً لأتباعها فى السجون وخارجها، فخلال الأيام الماضية عاد الجدل حول مصالحة تتبناها جماعة الإخوان، تتخلى فيها عن العمل السياسي مقابل إطلاق سراح المقبوض عليهم.
وقال الإعلامى الإخواني ماجد عبدالله إن حلمي الجزار رئيس المكتب السياسي لجبهة لندن، أبلغه استعداد الجماعة التخلي عن العمل السياسي لمدة 15 عاماً مقابل الإفراج عن سجنائها في السجون المصرية، ثم خرج الجزار لينفي هذا الكلام، متمسكاً بما أعلنه من قبل من «أن عدم المنافسة على السلطة الذى أعلنته الجماعة وما زالت متمسكة به لا يعنى أبداً الانسحاب من العمل السياسى الذى يظل من ثوابت مشروع الجماعة الإصلاحى».
تحاول الجماعة كل فترة أن تبيع الوهم لأتباعها، من خلال الحديث عن صفقة محتملة بين الحكومة والإخوان، لإبراز أن الجماعة لديها أوراق ضغط وتأثير وتفاوض، والواقع أن الجماعة فقدت كل أدوات الضغط والتأثير والتفاوض، وليس لديها ما تقدمه لأتباعها سوى مزيد من الوهم، يؤدى إلى إطالة الأمل المزعوم فى نفوس الأتباع.
ما تفعله الجماعة مع أتباعها يعبر عنه المثال الآتى: أجريت تجربة على عدد من الفئران، لقياس العلاقة بين الحالة المعنوية والقدرة على مقاومة الهلاك، جاءوا أولاً بفأر ووضعوه فى الماء وأغلقوا عليه تماماً، فمات الفأر بعد ست عشرة دقيقة، ثم جاءوا بفأر آخر ووضعوه فى نفس البيئة، ولكنهم يمدون إليه طوق نجاة بين الحين والآخر، ثم يتركونه بلا إنقاذ، فظل حياً لمدة أربع ساعات، الفأر الأول لم يكن لديه أى أمل، فخارت قواه سريعاً ولم يستنفر قدراته على المقاومة، واستسلم لهلاك سريع، أما الفأر الثانى فقد كان يملك أملاً جعله يستجمع طاقاته الكامنة ليظل حياً أطول فترة ممكنة، صحيح أنه كان أملاً كاذباً فى كل مرة، ولكن القائمين على التجربة استطاعوا به رفع الحالة المعنوية للفأر ليبقى صامداً.. مع أن الموت محقق.
«عمرو عبدالحافظ» الباحث الذى غادر الجماعة وقدم مراجعات فكرية، قال إن الجماعة تصنع مع أتباعها شيئاً قريباً من هذا، فالواقع يقول إن الجماعة انهزمت، وأن فرصها فى العودة والتعافى ضئيلة للغاية بل مستحيلة، هذه القناعة إذا وصلت إلى أفراد الجماعة وأنصارها فسوف تنهدم من الداخل وتذوب وتفقد أى قدرة على البقاء، الحل إذن هو إيجاد أمل، ولو كان أملاً كاذباً، حتى ترتفع الروح المعنوية للأفراد ويستطيعوا التحمل أطول فترة ممكنة؛ عسى أن تتغير الظروف فى المدى القريب أو البعيد.
وهذا الأمل الكاذب يصنعه الخطاب الإخوانى؛ مرة بإيهام الأتباع أن ثمة مصالحة وشيكة من شأنها أن تنهى المعاناة، ومرة بإيهامهم أن الوضع الاقتصادى خطر للغاية، وأن ثورة جياع وشيكة، وأن حالة من الغضب والاختلاف داخل المؤسسة العسكرية، وما إلى ذلك من خرافات وأوهام، تشبه الحقن المخدرة؛ حتى يقل شعور المريض بالألم، فإذا زال مفعول إحداها حقنوه بالتى تليها فوراً.
مصالحة مرتقبة، يتجدد الأمل.. يتبخر الأمل.. النظام يترنح.. يتجدد الأمل.. ثم يتبخر الأمل.. الخصم اقترب من السقوط.. يتجدد الأمل.. ثم يتبخر الأمل.. وهنا يأتى دور الحقن المتتابع إلى ما لا نهاية، وآخر هذه الحقن الحديث عن مصالحة مع الدولة، بعد أنباء عن زيارة مرتقبة من الرئيس عبدالفتاح السيسى لتركيا.. والعجيب أن تابعى الجماعة أدمنوا هذه الحقن، وأدمنوا معاداة الأقدار، وانتحر المنطق والعقل.
الجماعة فقدت القدرة والرؤية والأمل والفاعلية والتأثير على الأرض، وتعانى من أزمات وانقسامات وارتباك وتشققات وانشطارات وتعجز عن اتخاذ قرار، ويستحيل إتمام مصالحة مع جماعة متهمة بالإرهاب والتحريض، ولا يوجد نظام يمكنه التجاوب معها، ولم تعد تملك إلا الشعارات المزيفة، والوعود الوهمية، ولم يتبق لها إلا حقن أتباعها بهذه الحقن المخدرة كل فترة، وآخر الحقن المخدرة والحبل الوهمى الممدود لأتباعها هو الحديث عن مصالحة مع النظام المصرى.. ثم يتبختر الأمل الذى وُلد ميتاً، ثم يمدون لأتباعهم حبلاً وهمياً آخر.