زيارة تاريخية، هي الأولى للرئيس السيسي في أنقرة منذ توليه الرئاسة، والخلفيات التاريخية لا تخفى على أحد، وبالتالي لا مبرر لإعادة سردها.لكننا بحاجة حقيقية لتأمل أداء الدولة المصرية بالنظر لمحطات تطور العلاقات مع تركيا، فهذه المحطات تخبرنا الكثير عن الطريقة التي ترى بها أجهزتنا الوطنية ملفاتها عموما، والخارجية خصوصا.
في أشد لحظات التوتر، لم يتورط الرئيس السيسي بشخصه أو أي مسؤول في إدارته، في أي تصريح يمثل إساءة للدولة التركية ولمسؤوليها، هذا النهج مستقر في كل الملفات التي تمثل تحديا لمصر، فهو نفسه النهج الذي تتبعه القاهرة في تعاملها مع إثيوبيا رغم كل ما قامت وتقوم به إثيوبيا.
إذا كنت محللا محايدا بعيدا عن الأحداث، فستضع ضمن احتمالاتك لتفسير هذا الأسلوب أن القاهرة تتبعه بسبب الخوف أو الضعف، لكن الأحداث بعد 10 سنوات، والنتائج على الأرض، تخبرنا أن هذا الأسلوب أتى بثمار هائلة في عددٍ كبير من الملفات، يستحيل معه أن تكون النتائج الإيجابية مجرد صدفة!
بعد ثورة يونيو، دخل العالم في شبه قطيعة مع مصر، وعلى مدار السنوات الماضية استطعنا استعادة العلاقات إلى أفضل ما كانت عليه مع الغالبية العظمى من هذه الدول، بنفس الطريقة، بنفس الأسلوب، ضمن نفس النهج.
العلاقات بين مصر وتركيا مرت بمنعطفات كبيرة، لكن الدولة المصرية بخبرتها التراكمية، وكونها دولة منذ آلاف السنين، فهمت جيدا حركة التاريخ، أدركت بثبات وثقل الفرق بين المحطات العابرة، والمواقف المستقرة، واتخذت من الصبر الاستراتيجي سبيلا لتنفيذ هذه القناعة.
لكن، وهنا ذروة الخبرة، كيف تصبر وفي نفس الوقت تدرك تماما خطوطك الحمراء وحدودك الدنيا التي لا يمكن التنازل عنها؟ هذا ميزان الذهب الذي تجيد الأجهزة المصرية التعامل معه على نحو ربما لا تجيده دول كبرى في العالم، وهي ليست شيفونية أو مبالغة.
نظرة بسيطة على الأحداث العالمية في السنوات الأخيرة، تخبرك كيف فقدت بعض الدول الكبرى فضيلة الصبر الاستراتيجي، والحكمة اللازمة، فتورطت وورطت معها العالم كله.
هذا حديث يجب أن نكرره كثيرا، حديث عن حكمة الأجهزة المصرية وفهم الدولة العميق لمجريات الأمور، على نحو يجعلك كمواطن تطمئن، وتستطيع الصبر على ما لم تحط به خبرا، فهناك من يتولى الأمانة بفهم وشرف.