صادفنى إعلان بدا لى غريباً بعض الشىء، عبارة عن مقطع فيديو لباصات غير فاخرة، من تلك التى يستخدمها أبناء الطبقة المتوسطة وما تحتها، أما نص الإعلان فكان: «تم بحمد الله ترحال حفلة كايروكى» كان هذا يوم 23 أغسطس الماضى، وأما الوجهة فكانت إلى العلمين من أجل حضور حفلة كايروكى، لكن لماذا أثار الإعلان استغرابى؟ لأن حضور الحفلات هناك كان فى تصورى لسكان الساحل الشمالى، أو زواره الذين يصادف وجودهم إقامة الحفلات هناك، فلم أتصور أن يشد أحدهم الرحال، فى الظروف الاقتصادية الحالية، لفرقته التى يحب، من القاهرة إلى الساحل فقط لأجل حضور الحفل، متحملاً مشقة الذهاب والإياب، من دون إقامة، أو فرصة للراحة بعد المسافة المرهقة، هذا اسمه «الولاء» للفرقة المفضلة.
ربما لو لم يظهر هذا الإعلان العابر لى، وبالتأكيد هناك عشرات سواه فعلت الأمر ذاته، لما فهمت حقاً تفسير الحضور المهول لحفل كايروكى الأخير، والذى قارب حسب أحد الإحصاءات التى قرأت 30 ألفاً، صحيح أن حفلات كايروكى عادة ما تحظى بحضور لافت، لكن الأمر هذه المرة مختلف، هؤلاء لم ينتظروا الحفلة التالية فى وقت قريب بالقاهرة مثلاً، ولم يكتفوا بالاستماع إليهم عبر بث مباشر أو عبر التليفزيون، هؤلاء أرادوا أن يكونوا هناك فى الزمان والمكان عن عمد، فما السر حقاً وراء تلك العلاقة الاستثنائية بين الفريق العجيب «كايروكى» وجمهوره الاستثنائى، حاولت العثور على إجابة منطقية.
ربما بسبب تلك المعانى المميزة والمختلفة التى تحملها موسيقى وكلمات الفرقة: «يمكن ده مش مكانى، أو الزمن ده مش زمانى»، توليفة عبر عنها أحد المعجبين عبر واحدة من صفحات «فيس بوك» بقوله: «أحسن فريق بيخلينى أرجع لنقطة الصفر وآخدها بالحضن، بحس أمير عيد كأنه قاعد فى دماغى وسامع الدوشة اللى فيها وعايشها، وبيحاول يترجمها ويفهمها لى».
هل هذا هو السر وراء تلك الفرقة حقاً؟ ربما هناك سبب آخر، أعمق، يتعلق بتلك الحالة التى عبَّر عنها أمير عيد خلال أحد اللقاءات السابقة له مع صدقى صخر، حين تحدث عن العلاقة التى تربطه مع أعضاء الفريق، والتى تبين أنها ليست عادية، هناك «حالة» ممتدة، منذ سنوات طويلة، يشعرون بها جميعاً، ويعكسونها فى الوقت ذاته، حالة «وحدة» لم تتمكن أكثر الفرق من الاحتفاظ بها فتفككت سريعاً، يقول أمير عيد: «إحنا عيلة مع بعض، ما بنخافش خالص، ولغاية دلوقتى ما بنخافش عشان فى اللاوعى كل واحد فينا بيقول لنفسه أنا مش لوحدى، لو حصل أى حاجة فيه 4 أو 5 ورايا، مخافش من المستقبل إنه لو حصل لى مشكلة فى وقت ما ومبقاش معايا فلوس أنا مش لوحدى، فيه 4 أو أكتر هياخدوا بالهم منِّى لغاية لما أموت والعكس صحيح، لو عييت عارف إنهم هياخدوا بالهم منّى، أسافر مثلاً وسايب أمى أبقى عارف إن آدم هيعدى على أمى وهياخد باله منها لغاية ما أنا آجى كأنى موجود، حتى وإحنا صغيرين لما نتخانق مع أى حد بيكون فى قناعة إنى مش لوحدى، أنا معايا أصحابى وعيلتى»، هم فى الواقع تجسيد لما يحتاجه المرء حقاً، أن يشعر أنه ليس وحده فعلاً، وأن ثمة بشراً من بعد الله يقفون فى ظهره بحق.
حسنا، ربما هناك سبب آخر مختلف تماماً، قد يكون السبب هو تلك الأفكار الخاصة والغريبة بالنسبة للبعض التى يعبر عنها أعضاء الفريق، وبالذات أمير عيد، يعسكها بوضوح فى أغانيه، وفى لقاءاته، هو مثلاً يفضل التعليم المنزلى على التعليم النظامى، ويرى أنه لا يشبه الجميع، يخلص لاختلافه للدرجة التى صار من بعدها يغنى «نفسه» وحالته، وليس مجرد «أغنية» من كلمات أو موسيقى، هو يمنحك حالة كاملة، تعيشها ليس لأن صوت المغنى يطربك، ولا لأن الفرقة الموسيقية تمنحك ألحاناً كتلك التى قدمها بليغ حمدى، وعبدالوهاب، ولكن لأنهم يملكون توليفة تخصهم وحدهم، يتقنون فى تقديمها ويحبها الجمهور كثيراً، وينتظرها مرة بعد أخرى.