كل المؤشرات تخبرنا بوضوح شديد أننا نعيش في منطقة تسير نحو الهاوية بسرعة جنونية، كل ما قيل طوال عقود عن قواعد الاشتباك وقدرة الغرف المغلقة على تسوية الخلافات تهاوى تماما في بضعة أشهر داخل الشرق الأوسط، وقبله داخل عالم يتصارع شرقه مع غربه بلا أفق منظور نتوقع خلاله تسوية الصراع سلميا.
بعد الحرب العالمية الثانية، ساد اعتقاد لدى محللي السياسة أن زمن الصراعات الموسعة التي تخرج عن السيطرة قد ولى، فالبشرية تعلمت درسا قاسيا بدماء عشرات الملايين من الضحايا، واستطاع العالم أن ينشأ مؤسسات تحفظ الأمن والاستقرار وتسوي النزاعات سلميا حينما تنشأ.
المفارقة هنا أن الدول الكبرى التي سيطرت على هذه المؤسسات، كانت الأسبق نحو التسلح وتطوير قدراتها العسكرية، وكأنها تستعد للحظة انهيار الفكرة برمتها.
توالت الأحداث والسنوات، وها نحن أمام حقيقة تخبرنا بوضوح أننا لا زلنا عند نفس النقطة، حيث الصراعات التي تنفجر وتتصاعد وتتحول إلى حروب كبرى، بل وربما نكون على أعتاب حرب عالمية ثالثة، أو أننا نعيشها أصلا.
في القاهرة، ورغم اتفاقية السلام التي تُعد من أهم أحداث القرن الماضي على مستوى العالم، استقر لدى المؤسسات والأجهزة المصرية، نفس تلك القناعة التي دفعت الدول الكبرى لتطوير منظومات الردع لديها، قناعة تقول إن العالم ليس مكانا آمنا لمن لا يملك قوة الردع.
كان القرار المصري واضحا، خصوصا في السنوات العشر الأخيرة، لا مفر من تطوير منظومة القدرات المصرية على كل المستويات وليس عسكريا فقط، لذلك شهدنا تطويرا غير مسبوق لتسليح القوات المسلحة، فضلا عن القواعد العسكرية التي تم إنشاؤها، بالتوازي مع المناورات التي تجرى دوريا للتدريب وصقل المهارات.
في الوقت نفسه، انطلق مخطط التنمية بأقصى سرعة رغم ظروف الحرب على الإرهاب، وفي القلب من المخطط تحديث البنية التحتية لتكون قادرة على استقبال الاستثمارات المحلية والأجنبية، بما يعزز القدرات الاقتصادية التي تمثل واحدة من أهم أسس الردع.
كل ذلك كان يتم قبل أن تطلق رصاصة واحدة في أي من الصراعات المشتعلة الآن في المنطقة أو العالم، لكنه كان إدراكا مسبقا لأن تلك اللحظة آتية لا محالة، ومن لم يستعد، فسيكون في مأزق هائل.
في العامية المصرية نقولها كثيرا "اللي ذاكر ذاكر"، وهي تنطبق تماما على العالم الآن، من استعد استعد، ومن فاتته الفرصة، فهو الآن يواجه مصيرا مجهولا بكل معاني الكلمة!