لم يكن قرار حظر البترول عن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الداعمة لإسرائيل، خلال حرب أكتوبر عام 1973، مفاجئاً، ومع ذلك وقع كالصاعقة على «واشنطن»، ووصل الارتباك بإدارة الرئيس الأمريكى «ريتشارد نيكسون» فى التعامل مع القرار إلى حد التفكير فى الاستيلاء على حقول البترول فى الخليج.
وسر الارتباك الأمريكى فى التعامل مع القرار يكمن فى التقدير الخاطئ، والتقليل من قدرة العرب على وقف ضخ البترول، رغم صراحة التهديدات التى سبقت القرار بعدة أشهر، على ألسنة زعماء ومسئولين، باستخدام هذا السلاح، حال قيام المعركة العسكرية مع إسرائيل.
وكشفت وثائق، أفرجت عنها الحكومة البريطانية عام 2004 (بعد أكثر من 30 عاماً)، أن الولايات المتحدة قللت من إرادة العرب وقدرتهم على وقف ضخ البترول للغرب، خاصة فى ظل العلاقات الجيدة بين إدارة «نيكسون» والمملكة العربية السعودية بقيادة الملك فيصل، وكانت المفاجأة أن «الرياض» كانت رأس الرمح فى تطبيق خطة استخدام البترول كسلاح غير مسبوق.
وتشير الوثائق إلى أن البريطانيين فوجئوا أيضاً بإعلان الدول العربية المنتجة للبترول حظر إمداد الغرب بعد عشرة أيام من حرب أكتوبر.
مقدمات استخدام العرب لسلاح البترول كانت حاضرة بوضوح قبل شهور من «أكتوبر»، ولم تأخذها «واشنطن» مأخذ الجد، ومن بين الوثائق السرية التى أفرجت عنها بريطانيا ذلك التقرير السرى الذى كتبه «أنتونى بارسونز»، الوكيل الدائم لوزارة الخارجية البريطانية آنذاك، عن حواره مع «ويليام روجرز» وزير الخارجية الأمريكى، فى العاصمة الإيرانية «طهران» يوم 11 يونيو عام 1973 (قبل الحرب بأربعة أشهر) على هامش اجتماعات مجلس وزراء منظمة معاهدة الشرق الأوسط (حلف بغداد).
وقال «بارسونز» فى تقريره، إن «روجرز» قلل من شأن تهديدات العرب باستخدام البترول سلاحاً للضغط على الغرب لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضى العربية المحتلة منذ عام 1967.
ونقل «بارسونز» عن «روجرز» وصفه لتلك التهديدات بأنها كلام فارغ حسب رؤية الولايات المتحدة.
وتغيرت لهجة وزير الخارجية الأمريكى عندما تطرّق الحوار إلى تحذير الرئيس للغرب فى خطابه بمناسبة عيد العمال، فى أول مايو من العام نفسه، من أن العرب مستعدون للجوء إلى حظر البترول لمساعدة مصر فى صراعها العسكرى مع إسرائيل، وقال «بارسونز»، إن «روجرز» تحدّث ببعض القوة، وقال: «لا مجال على الإطلاق لأن تؤخذ الولايات المتحدة رهينة».
فى هذا التوقيت كانت أوروبا أكثر قلقاً، من الولايات المتحدة، من احتمال تحول العرب من مجرد التهديد إلى التنفيذ الفعلى، بحكم أن الدول الأوروبية هى الأقرب إلى المنطقة، والأكثر اعتماداً على بترولها، ما يعنى أنها ستكون الأكثر تضرراً من الإجراء العربى المحتمل.
وخلال اللقاء اعترف «روجرز» بأن أوروبا الغربية فى الوضع الأصعب، وقال: «حتى إذا كانت الولايات المتحدة محتاجة لبترول العرب، فإن الأمريكيين سيكونون فى موقف يُمكِّنهم من إبطال هذه الحاجة بشد الحزام إذا ما بدا أن العرب سيتخذون موقفاً مؤذياً شريراً».
ونبَّه «بارسونز»، فى تقريره لوزير الخارجية البريطانى، إلى أن لديه انطباعاً بأن موقف «روجرز» يُعتبر رسالة واضحة موجهة إلى العرب، كما أنه يبالغ، بشكل واضح، فى تبسيط الأمر على خطورته.